إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله - عز وجل - على فترة من الرسل فبصر به من العمى، وأسمع به من الصمم، أتى إلى أمة ضالة فهداها، وإلى أمة غافلة فوعاها، وإلى أمة عمياء فبصرها، وإلى أمة صماء فأسمعها - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً-.
أمَّا بَعْد:
فلنستمع إلى المنقذ العظيم، وإلى الرسول الكريم , وإلى المعلم النبيل، وإلى الهادي الجليل في كلماته المعطاءة النيرة، وفي حديثه العذب، عليه أفضل الصلاة والسلام.
في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة} يعني في الطفولة والصبا ما تكلم إلا ثلاثة أطفال، ثلاثة يرضعون اللبن من ثدي أمهاتهم، تكلموا وأنطقهم الله الذي أنطق كل شيء، والذي ينطق الحجارة فتتكلم، والجلود ينطقها يوم القيامة فتتحدث، والأعضاء يستشهدها يوم العرض الأكبر فتشهد، ويختم على الأفواه التي كانت تتكلم، فلا تتكلم.
أرأيتم إلى الذئب، الذئب حيوان أبكم لا يتكلم، لكن أنطقه الله الذي أنطق كل شيء، ففي الصحيح {أن رجلاً ذهب يرعى غنماً في ضاحية من ضواحي المدينة المنورة -في عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام- فأتى الذئب فأخذ شاة، فطارده الرجل حتى أمسك الشاة وانتزعها من الذئب، فجلس الذئب على أرجله يقول للرجل: أتأخذ رزقاً رزقنيه الله، كيف بك إذا أخذت الشاة ولا راعي لها إلا الذئب، قال الرجل -وقد ذهل-: يا عجباً ذئب يكلمني! قال: نعم، وأعجب من ذاك رسول بين النخل -يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام- يخبركم بما سبق وبما أتى هو أعجب من هذا، فترك الرجل غنمه، وأتى بعصاه إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله، وقع لي هذا اليوم كذا وكذا، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وجمع الناس وأخبرهم، ثم قال: آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر}.
فالرسول عليه الصلاة والسلام هنا يخبرنا أن الله أنطق ثلاثة في المهد، والله ينطق الخشب وهو جامد، ففي الصحيحين عن جابر قال: {خطب صلى الله عليه وسلم على جذع نخلة، ثم ترك الجذع واتخذ منبراً، فبكى ذاك الجذع وحن كما تحن النوق، وله بكاء كبكاء الأطفال، فنزل عليه الصلاة والسلام إلى ذاك الجذع فدهدهه بيده حتى سكت}.
فمن أنطقه؟! إنه الله الذي أنطق كل شيء.
انظر إلى النملة حشرة لا تكاد ترى، مر سليمان عليه السلام بجيشه فتكلمت في النمل وقالت: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18].