إن الدواء من الذنوب والخطايا، والحل من السيئات والذنوب يكمن في عشرة أمور، من أدركه واحدٌ من هذه العشرة، أنجاه الله، ورحمه وغفر له، ومن لم يدركه واحد من هذه العشرة فقد خسر الدنيا والآخرة، وقد شرد على الله، وتفلت على حدود الله، كما يتفلت الجمل الشارد على أهله، وهذه العشرة، اسمها: الكفارات العشر، أو المكفرات العشر للذنوب والخطايا، فيجب على المسلم أن يعتني بها، وأن يبادر بها، وأن يحققها، وأن يحاول أن يتشبث بواحدة منها حتى ينقذه الله، وحتى يسلمه الله، وحتى يعافيه الله من البلاء، ومن الضنى، والضنك، والردى.
أول هذه العشر: التوبة:-
فإنها واجبة على عموم الناس، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:64].
فالتوبة يا عباد الله!
وثانيها: الاستغفار:
قال ابن تيمية شيخ الإسلام في المجلد العاشر من فتاويه وكرر ذلك في الحادي عشر، وفي رسالة رفع الملام عن الأئمة الإعلام: "قد ينفع الاستغفار بلا توبة" والله قد أمر بالاستغفار، فهو العامل الثاني، وهو مطهر من الذنوب.
فأوصيكم بكثرة الاستغفار، فإنه مكفر للخطايا والذنوب.
وثالثها: دعوات المؤمنين لك:-
والتي اكتسبتها بحسن خُلُقِك، وتعاملك معهم، فدعاؤهم لك بظهر الغيب، يكفر الله به عنك الذنوب والخطايا.
ورابعها: ما تجده في الحياة الدنيا من مصائب:
من زلازل، ومحن، وكوارث، فهذه المصائب يكفر الله بها من سيئاتك، كما تَحُتُّ الشجرةُ ورقَها، حتى تخرج نقياً من الذنوب، بشرط أن تكون قائماً بفرائض الله.
وخامسها: الحسنات التي تفعلها:
من الصدقات، والنوافل، وحسن الخلق، وصلة الرحم، وحسن التعامل مع الناس، من الأذكار، من أعمال البر جملةً وتفصيلاً قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114].
سادسها: ما تجده عند سكرات الموت، يوم يأتي الوعد الحق، يوم تأتي ساعة الصفر، يوم يأتي اليقين، يوم يتخلى عنك الأحباب، والأصحاب، والولد، والزوجة، والرحم والقريب، يوم لا يقف معك إلا الواحد الأحد: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] فما يأتيك من سكرات فهي من المكفرات بإذن الله.
سابعها: ما تجده في القبر من منكر ونكير:
من فتنة الفتان أعاذنا الله وإياكم من تلك الفتنة وثبتنا الله وإياكم يوم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:27].
والقبر روضةٌ من الجنانِ أو حفرةٌ من حُفَر النيرانِ
إن يكُ خيراً فالذي مِن بعدِهِ أفضلُ عند ربنا لعبدِهِ
وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ
ثامنها: ما يجده المسلم من أهوال يوم القيامة:-
من المنظر الرهيب الرعيب البهيت، المدهش المذهل، من الصراط، ورؤية تطاير الصحف، ورؤية الشمس وقد دنت، والعرش وقد اقترب من الناس، وكثرة الخلائق، وكثرة الهلع والخوف والفزع، هذا كله مكفر للذنوب.
والمكفر التاسع: شفاعة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم:
لا أحرمنا الله وإياكم شفاعته، ونسأل الله أن يدخلنا في شفاعته:
واستشفعَ الناسُ بأهل العزم في إراحة العباد من ذا الموقف
وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها
فهذا مكفر تاسع: يدخل فيه أهل الكبائر، مَن شاء الله أن يرحمه من أهل الكبائر أدخله في شفاعة سيد الخلق، ومَن شاء أن يعذبه منهم كبَّه الله على وجهه في النار، لكن لا يُخلَّد في النار إذا كان موحداً.
والعاشر: رحمة أرحم الراحمين:
يوم تنتهي التسعة الأسباب، وتتقطع الجبال، وتُوصَد الأبواب، وتنتهي هذه التسعة، يبقى السبب العاشر، تأتي رحمة أرحم الراحمين.
فنسأل الله أن يرحمنا وإياكم برحمته، وأن يتولانا بولايته، فمن فاتته هذه العشر فلا يلومَنَّ إلا نفسه، ولا يبكي إلا على حظه ونصيبه، ولا يندم إلا على كسبه، ولا يعود باللائمة إلا على ذاته، فهو الذي أساء كل الإساءة، وفرط كل التفريط، وضيع كل الإضاعة.
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة.
يا رب العالمين، اللهم اجزه خير الجزاء، جزاء ما قدم للبشرية، وما أهدى للإنسانية، وما دفع به في نحر الوثنية.
اللهم ارفع مقامه، واكتب له الوسيلة، وارفع درجته عندك يا رب العالمين.
وارضَ اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تَبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك، يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، واهدهم سبل السلام، وأيدهم بتأييد منك، يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الرحمين.
اللهم من أراد للإسلام عزاً ونصرةً وتمكيناً فمكنه في الأرض يا رب العالمين، وأصلح باله، واشرح حاله، ووفقه لكل خير، وأيده بتأييد منك، يا رب العالمين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين والصالحين بشرٍ فاشغله بنفسه، واجعله كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.