أولاً: شوق الصحابة وإيمانهم ويقينهم الذي جعلهم يتركون الدنيا وملذاتها وشهواتها، وأتوا يتذكرون ذلك اليوم ويقولون: {يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟} ما أعظم السؤال وما أعظم الإيمان! إننا أصبحنا في مهلة وغفلة وبعد عن الله حتى أصبحنا لا نتذكر هذه القضايا.
هل تساءل أحد منا في مجلس هل نرى الله؟
هل تكلم بعضنا مع بعض في رؤيتنا لربنا وهي أفضل النعيم وأجل القربات؟
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23].
ورؤية الله تتحقق للمؤمنين في الآخرة ولا يراه المشركون: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] موسى عليه السلام لما أعطاه الله التكليم وكلمه تبارك وتعالى وجد من الإيمان والسرور والحبور ومن اللذة ما لا يعلمه إلا الله، فقال الله عنه: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] ورؤية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للمؤمنين ثابتة لمن حافظ على صلاتين، ولا يفهم منه ألا يحافظ على الثلاث، من حافظ على هاتين الصلاتين وهي صلاة الفجر وهي قبل طلوع الشمس، وصلاة العصر وهي قبل غروب الشمس وهما صلاة البردين، فالمحافظ عليهما يدخل الجنة ويرى ربه يوم القيامة.
يقول الصحابة: كيف نرى الله؟ يقول عليه الصلاة والسلام: {أترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب} ليس المرئي كالمرئي تبارك وتعالى الله، لكن المقصود تشبيه الرؤية بالرؤية: {أترون الشمس في يوم صحو ليس دونها سحاب؟ قالوا: نعم.
قال: سترون ربكم كما ترون الشمس ليس دونها سحاب} فهنا شبه الرؤية بالرؤية قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11].
ثانياً: أن عصاة الموحدين لا يخلدون في النار، خلافاً لمن ذهب لذلك من أهل البدع، فمن كان موحداً فإنه لا يخلد في النار.
ثالثاً: أن من المصلين من يدخل النار، منهم من يصلي الصلوات الخمس ويدخل النار، كأن يكون عاقاً أو قاطع رحم أو آكل ربا، أو زان أو فاجر أو منتهك لحرمات الله، فهو من الساجدين على جبينه ولكن تصهره النار غير أن الله حرم على النار أن تأكل مواضع السجود.
رابعاً: فضل الله وكرمه وأن الدنيا لا تساوي شيئاً، وإذا كان أقل الناس في الدنيا يملك في الجنة أعظم مما يملكه ملوك الدنيا ومثله عشر مرات، فقل لي بالله يا من امتلك قصراً أو داراً أو ثياباً ما امتلكت مع مرض وخوف وهم وحزن.
ستنقلك المنايا من ديارك ويبدلك البلى داراً بدارك
فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك
فيا من أعد لذاك الموقف إن كنت تريد أن ترى الله وهي أعظم لذة عند أهل السنة والجماعة، وهو يوم الزيادة فعليك أن تكون مستقيماً على أمر الله، ليسكنك الله داراً لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها، دار غرس الله أشجارها بيده، وبنى قصورها بيده، فقال لها: {تكلمي -والحديث عند البزار بسند حسن- فقالت: قد أفلح المؤمنون} فيا سعدكم أيها المصلون وهنيئاً لكم أيها التائبون العابدون، وتباً وخساراً لمن أنكر ذاك اليوم ونعيمه، وألحد وكفر به.
أيها الناس: إننا نسأل الله ألا يعجل لنا طيباتنا في الحياة الدنيا فنكون من المحرومين، ألا إننا نستجير بالله أن نكون من أناس أكلوا وشربوا وتمتعوا في الحياة، فلما أتوا إلى الله أفلسوا وخسروا، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16] {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:20 - 21] {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35].
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.