أشرف شيء عبودية الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله كما في المدارج: " من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية.
"
وقال أهل العلم: " أقرب الطرق إلى الله العبادة.
"
وكتب عمر لـ سعد بن أبي وقاص: [[يا سعد! لا يغرنك قول الناس: إنك خال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، إن أقربهم عند الله أتقاهم]] {أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد} {ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه} {أعِنِّي على نفسك بكثرة السجود} {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}.
القرب القرب العبادة العبادة، لا قرب آخر لا المال، ولا الولد، ولا المنصب، لا قرب من الواحد الأحد إلا بالعبادة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5].
أما شرف العبودية: فاسمع إلى الله وحين ذكر عبده في أشرف المنازل.
فيقول في الإنزال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1].
ويقول في الدعوة: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19].
ويقول في الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1].
مرت عجوز كبيرة في السن، وتعريف العجوز: هي من احدودب ظهرها، ويبس بطنها، وجفَّ شعرها، واحضَوْضَلَت عيناها.
تريد عجوزٌ أن تعود فتيةً وقد يبس الجنبان واحدودب الظهرُ
تسير إلى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهرُ؟
مرت بالرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: إنه يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد.
فقال: {وهل هناك عبد أعبد مني} عليه الصلاة والسلام، نعمْ.
أنت العبد صراحةً، وأنت الذي أخرج العبيد من ظلم العبيد، إلى عبادة رب العبيد، كنا عبيداً قبل أن نبعث، وكانت الأمة في عداد الحيوانات، ولا أقول بتلك الأمة التي أكرمها الله؛ لأنها قبل الرسالة يوم كانت مشركة كانت في عداد البهائم، حتى جاء سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا الرسول عليه الصلاة والسلام، فرفع رءوسها، فأصبحت عابدة لله، فأعتقها، فلم تتعبد إلا له، إلا من شاء أن يكون عبداً لآخر.
ولذلك كان عمر بن الخطاب يرفض عبودية العبد للعبد، فعبودية العبد للعبد حرام بالإجماع.
ففي مصر: كان محمد بن عمرو بن العاص ابن أمير مصر يتسابق ذات يوم مع قبطي مصري، فسبق القبطي فرس الأمير، ويجوز عند أهل العلم أن يسبق فرس بعض الناس فرس الأمير، فسبق هذا الفرس، فنزل محمد ابن الأمير فلطم القبطي كفاً، فقال له القبطي: [[والله لأرفعنك إلى أمير المؤمنين، قال: اذهب، فذهب إلى عمر، وقال: ضربني كفاً وأريد أن تنصفني، قال عمر: مَن ضربك؟ قال: محمد بن عمرو، فأخبره القصة، فاستدعى عمرو بن العاص وابنه محمد، فلما قدما كان الصحابة جلوساً، قال عمر: والله لا يحول بيني وبينهما اليوم أحد، ثم أخذ الدرة، فأخذ محمداً فبطحه، ثم جاء على عمرو بن العاص فوضعه عليه، ثم ضربهما بالدرة، وقال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!]] من أين هذا؟ لماذا تُبْطَل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] لماذا تلغى (لا إله إلا الله)؟! لماذا تلغى قداسة الإنسان، وقيمته، ومعنويته، وكلمته، ودمه، ودموعه؟!
هذه مصداقية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] في حياة عمر.
كهنوت التصوف ينهار أمام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].
الدروشة، واتخاذ المشايخ آلهة، ورسل من دون محمد صلى الله عليه وسلم، هذه من مذهب غلاة التصوف، وهي أن يُنَصَّب شيخ، فيفرِض ويسُن ويُحَلِّل ويحرم من كيفه، وهذا هو الجهل الذي وقع بالأمة، وسوف يأتي ذلك في تفسير (الضَّالِّينَ) وتأتي النخبة المثقفة العلمانية في (الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ).
لكن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] تلغي على هؤلاء أغراضهم، ولذلك لا يحب الصوفية قراءة القرآن، ولا يحرصون على علم الحديث، لكن عندهم رقص، وليلة سهر، وتصفيق، وليلة مولد، يقف منشدهم فيقول -واسمع النشيد الذي يعارض {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]- يقول:
يا رسول الله! يا من ذكرهُ في نهار الحشر رمزاً ومُقاما
فأقل لي عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما
ويقول أحد الصوفية: نحن نأخذ علمنا من الرزاق، لا من عبد الرزاق؛ لأن أهل السنة يقولون: حدثنا عبد الرزاق.
قال ابن القيم: والله الذي لا إله إلا هو لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفتم الخلاق!
وقالوا:: [علمكم علم الورق، وعلمنا علم الخرق] علم الضلالة والمرقَّعات والخفافيش.
ولا علم إلا علم محمد صلى الله عليه وسلم.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] تلغي عصمة الأئمة عند الضُّلاَّل -الأئمة الاثني عشر- فجعلوهم كاثني عشر رسولاً، بل جعلوهم في بعض المقالات أعظم من رسل الله عز وجل.
وليس هناك رسول خاتم إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الرسل، وهو المعصوم.
فـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ترد عليهم.
و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] يقف أمامها الشهوانيون أهل الكأس، والمرأة الخليعة، والمجلة، والسهرة، والضياع، والأماني المتساقطة، والشبهات، واللهو، يقفون أمامها حيارى، ولذلك لا يريدون {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؛ لأنها تلغي ما يمكن أن يقيموه من كيان، أويقيموه لأنفسهم من شهرة.