الفلاسفة لهم مقالة مفادها: لماذا خلق الله الذباب؟ وهذا ابن ابن الراوندي ألف كتاب الدامغ على القرآن -دمغ الله رأسه في نار جهنم- يسميه الذهبي: الكلب المعفَّر، والناس هذا يسمونه: فيلسوف الإسلام، والإسلام منه بريئ، ثوبه مشقوق، وهو صاحب الأبيات التي يقول فيها:
أيا رب تخلق أغصان رندٍ وألحاظ حورٍ وكثبان رملْ
وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عَدْلْ؟
أستغفر الله! هذا الكلب المعفَّر وقف على نهر دجلة وعنده قرص شعير يريد أن يأكله، فمر خادم من خدم الخليفة، وعنده خيل وجمال وبقر، فالتفت إلى السماء وكأنه يخاطب الله، وقال: أنا الفيلسوف -فيلسوف الإسلام -تعطيني كسرة خبز من شعير، وتعطي هذا العبد الخيول!! ثم رمى بالكسرة في النهر.
هذا الكلب يقول: لماذا خلق الله الذباب؟
وهذا السؤال عرضه أبو جعفر المنصور على ابن السماك، واعظ الدنيا وأبو جعفر - كما قال الإمام أحمد - يذبِّح الملوك كتذبيح الغنم، فقد ذبح أعمامه، وذبح أبا مسلم الخرساني، فلا يقاومه أحد إلا ذبحه بيده.
فيذكرون أن أبا جعفر كان جالساً في اجتماع، جمع فيه العلماء والوعاظ والوزراء والأمراء، وكان أبو جعفر خطيب الدنيا، فلما جلس دخل ذباب في المجلس وأزعجه فخَنْخَنَ عليه في ديوان القصر، فضاقت به الدنيا؛ لكن أراد الله أن يهين أبا جعفر؛ فلما هبط على أنفه، قال: يـ ابن السماك! لماذا خلق الله الذباب؟! قال ابن السماك ليذل به أنوف الطغاة.
وهذا من أحسن ما يقال، وما أملحه! ولا شُلَّ لسانُه ولا شُلَّتْ يمينُه.
دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوسِ
فالمقصود: أن لله في أفعاله حكم بالغة، لا يعترض عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك قال: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] أي: توقيعه الأخير، وحكمه النهائي، ولا أحد يُوَقِّع بعده، قال سبحانه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقَاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:115] ويقول ابن كثير في تفسيره، وهذا من أحسن ما يقال! قال: (صِِدْقَاً): في الأخبار، و (عَدْلاً): في الأحكام.
أما (الرحيم) فرحمته بالمؤمنين خاصة {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] وهذا بخلاف (الرَّحْمَنِ) التي تشمل الناس جميعاً.