افتتح الله عز وجل هذه السورة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] لماذا؟
قال أهل العلم: لأن الله عز وجل يُحمد في السراء والضراء، ولا يُحمد في السراء والضراء إلا الله، وكان عليه الصلاة والسلام يغتبط بسورة الفاتحة، ويفرح بالسبع المثاني، ويُسَر بها أيما سرور.
ففي صحيح البخاري وأبي داود والنسائي وأحمد، عن أبي سعيد بن المعلى قال: {كنتُ أصلي مع الرسول عليه الصلاة والسلام فدعاني، فلم أجبه، فلما سلم أجبته، قال: لِمَ لَمْ تجبني؟ قال: كنتُ في الصلاة يا رسول الله، قال: ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام لأعلمنك أعظم سورة أنزلت عليَّ قبل أن تخرج من المسجد، فلما أراد أن يخرج من المسجد علمه السبع المثاني} التي معنا هذه الليلة.
وعند مسلم وغيره، أنه عليه الصلاة والسلام قال: {قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي قسمين} يقصد: الفاتحة، فتسمى: الصلاة، وتسمى: الفاتحة، وأم القرآن، والشافية، والكافية، والسبع المثاني، والقرآن العظيم، بل عند أحمد والطبراني والدارقطني، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أم القرآن، والسبع المثاني، والقرآن العظيم هي الفاتحة} {قال الله: قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمٍ} [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مَجَّدني عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيْمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّيْنَ} [الفاتحة:6 - 7] قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل}.
كان عليه الصلاة والسلام يسعد بالفاتحة أيما سعادة، ويعدها أشرف سورة في القرآن.
وفي الحقيقة أن تفاصيل القرآن، وقضاياه, وقضايا الأمة وهمومها وأفكارها في هذه السبع الآيات.
وعند أحمد في المسند بسند فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد استشهد به الأئمة الكبار، عن عبد الله بن جابر الأنصاري قال: {أتيت الرسول عليه الصلاة والسلام وقد اهراق الماء، فقلت: السلام عليك يا رسول الله! فلم يجبني، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يجبني، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يجبني، فلما توضأ قال: عليكم السلام ورحمة الله، وعليكم السلام ورحمة الله، وعليكم السلام ورحمة الله، ثم قال:- أما رأيت آيات أنزلت عليَّ لم أر مثلهن، ثم تلا السبع المثاني}.
تلكم هي الفاتحة، وكان عليه الصلاة والسلام يرى الفاتحة كنزاً، وقد بشره بها جبريل، فعند مسلم وغيره، من حديث ابن عباس، بل أصله عند البخاري: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً ومعه جبريل، فسمع نقيضاً في السماء، قال جبريل: هذا باب فتح نزلت منه سورة الفاتحة، وأواخر البقرة، لم تقرأ منهما بحرف إلا أوتيتَه}.
والحقيقة: أنها شافية، وشفاؤها قسمان:
- شفاء معنوي.
- وشفاء حسي.
فالشفاء المعنوي: أنها تشفي من الأفكار الدخيلة، والزندقة، والإلحاد.
والشفاء الحسي: أنها تشفي كذلك من الأمراض الظاهرة، فعند البخاري ومسلم، من حديث أبي سعيد، في قصة الملدوغ الذي قرئ عليه الفاتحة مِن قِبَل أبي سعيد وغيره، وعند مسلم: أن أبا سعيد هو التالي، فلما رآه عليه الصلاة والسلام قال: {ماذا قرأت عليه؟ قال: قرأتُ عليه الفاتحة، فتبسَّم عليه الصلاة والسلام، وقال: وما يدريك أنها رُقية؟} أي: ما يدريك أن فيها شفاء، وأنها تزيل الأوهام والأمراض، والأدواء.
تلكم هي الفاتحة، فمع الفاتحة:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]:
في هذه الكلمة قضايا: