كان علي بن الحسين زين العابدين يخرج في الليالي الظلماء, يحمل الزبيب والدقيق والتمر ويوزعها على فقراء المدينة، فلما مات وجاءوا ليغسلوه وجدوا أثر الخيوط التي كان يحملها على جسمه، وهو الذي يقول فيه الفرزدق:
يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته هذا التقي النقي الطاهر العلم
ودخل رجل على علي رضي الله عنه, والرجل فقير وعلي كان يملك ميزانية الأمة الإسلامية في الكوفة، ومع ذلك كان أفقر الناس، يلبس المرقع ولا يجد حفنة من الزبيب, ويوزع بيت المال ويصلي ركعتين ويقول: [[اللهم اشهد أني ما أمسكت لأهلي حبة ولا تمرة ولا زبيبة]] فأتى الفقير فخجل أن يتكلم بحاجته أمام أمير المؤمنين علي فكتب حاجته على التراب بأصبعه، يقول أريد منك شيئاً، فما وجد علي إلا حلة جميلة غالية من بيت المال؛ فأعطاها لهذا الفقير, وهي تساوي آلاف الدنانير, فقال الفقير:
كسوتني حلة تبلى محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا
يقول: حلتك سوف تبلى، لكن والله لأكسونك ثناءً يبقى أبد الدهر، ولذلك بقي هذا الثناء إلى اليوم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبناء هرم بن سنان لما قدموا عليه: ماذا فعل بكم زهير بن أبي سلمى الشاعر؟ قالوا: مدحنا وأعطيناه.
قال: ذهب والله ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.
يقول زهير في مدح هرم بالكرم والصدقة والإنفاق:
وأبيض فياضٌ يداه غمامةٌ على معتفيه ما تغب فواضله
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك معطيه الذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله