إن اختلاف أهل العلم له أعذار وهم معذورون ومأجورون ومشكورون، وخلافهم في المسائل الفرعية:
إما أن يبلغ الدليل أحدهم ولم يبلغ الآخر.
وإما أن يكون الدليل ثابتاً عندك وعندي منسوخاً.
وإما أن يكون صحيحاً عندك وهو عندي ضعيف.
وإما أن يكون الحديث ثابتاً وصحيحاً وبلغني وبلغك ولكني أفهم منه شيئاً وتفهم منه شيئاً آخر.
وأدب الخلاف يتمثل في أن يبين المسألة بعضنا لبعض، فإذا توصلنا إلى شيء وإلا فليعمل كل بما رأى، وهذا في الفرعيات.
ولا يعنف المخالف على المخالف، ولا يشهر به، فقد أخذت مسألة تحريك الإصبع اثنتي عشرة سنة من حياة المسلمين، بلاد المسلمين شذر مذر ونهب وسلب، وكثير من الفواحش طمت وعمت: مخدرات، وغزو فكري، وعلمنة في الساحة، وإلحاد وزندقة، بينما فئة من الشباب تقول: هل تحرك الإصبع كذا أم كذا؟ وهل يحركها كلها من أول التحيات إلى آخرها أو لا؟ حتى إن بعضهم -كما تعرفون- يحرك يده كلها، خروجاً من الخلاف، أي أنه قد أدرك التحرك.
ثم يأتيك بعضهم ويقول: هل العمامة سنة؟ وكيف تكون الذؤابة؟ وهل لنا أن نلبسها بالغتر الحمر؟ لأن العصر عصر اقتداء وأظن أننا لا نُعفى من أخذ السنة والعمامة، لأننا قصرنا في باب العمامة، ثم يلقي عليك محاضرة.
والأمر أسهل وأيسر، لكن منافذ الخلافيات من تكثير المسائل التي يختلف فيها.
واليد هل هي على الصدر أم هي تحت السرة، ويتهاجر متهاجران من أجل هذه المسألة!!
يقول شكيب أرسلان كلمة طيبة سأنقلها عنه وما عليَّ من الرجل، فلو سئلت عنه لبينت ما فيه، لكن ربما قال المعرض كلمة حق، والحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها.
يقول شكيب أرسلان: المسلمون اليوم بين جاحد وجامد، فهم بين جحود وجمود.
جاحد يعني: زنديق، حداثي عميل، ذنب لـ استالين وجرباتشوف، وربما صلى مع الناس، لكنه يحمل حقداً وضغينةً وكفراً في قلبه، ويكتب ويغزو بالأفكار، وليس ما يهمه من التحريك بل يضحك علينا نحن، يقول: صحوة تحريك الأصابع، وصحوة تقصير الثياب إلى الركب، وصحوة اللحى والدروشة، هذا جاحد جزاؤه السيف الأملح، ولو كان في عهد عمر لفصل رأسه وعن كتفه.
وقد أصيب المسلمون بهذا الداء.
وجامد أي: جامد فقط، أنا لا أقول جموداً على الحق، فإن الجمود على الحق فضيلة، لكنه جامد على مرئيات في ذهنه، لا يرى أن تتحول الأمور أبداً، إذا تحدثنا في صالة، قال: لا.
السنة في الحديث أو المحاضرات أن تكون في المسجد، وإذا بدأنا بالقرآن مثلاً واستفتحنا أحياناً به، قال: لا.
وينكر علينا ذلك.
وأنا أقول: لا بد أن يكون هناك سنن وأن تُبيَّن البدع، لكن الجمود على شيء رأى الناس مصلحته كوسيلة مثلاً من وسائل الدعوة، مثل هذا الميكرفون، فلو لم يوجد لما سمع آلاف الناس كلامي، لكنه يقول: لم يرد هذا الميكرفون في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم، وما أتى به السلف، وما جُني علينا إلا حينما أتت هذه الوسائل والمسجلات والأشرطة.
لا يا أخي! لماذا هذا الجمود؟ لماذا تُضحِك علينا أعداء الله؟! حتى هؤلاء أهل الجحود يضحكون على هؤلاء ويقولون: إنهم يتساءلون في مجالسهم: هل يجوز النظر إلى المرآة أم لا؟ ويضحك بعضهم ويقهقه بملء فيه؛ لأنه وجد جامداً، ولو وُجد رجل يعرف الدين الذي عرفه صلى الله عليه وسلم فإنه يُسكت هؤلاء وأمثالهم، لأنهم ضحال الثقافة والإيمان، ليس عندهم شيء ولا عندهم نور.
موقف الشاب من الخلاف:
إن كان خلافاً في الأصول فلا يعذر من خالف، وهو ما أجمع عليه الصحابة، فإذا أجمع الصحابة على مسألة فلا يخالفنا فيها أحد، فقد أجمعوا على أسماء الله وصفاته، فلا يأتِ مخالف ويقول: أنا مأجور إذا خالفت، لا.
لست بمأجور ولا مشكور بل موزور.
والمسائل التي اختلف فيها الصحابة يجوز لمن بعدهم أن يختلفوا فيها، أما ما أجمعوا عليه فلا يجوز لمن بعدهم الخلاف فيها.