المسألة الثانية في التربية: الاعتناء بالفرائض أولاً

إن من التربية التي بناها صلى الله عليه وسلم دعوة الصحابة إلى الفرائض أولاً.

في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في الحديث القدسي: {يقول الله: وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به الحديث} كان صلى الله عليه وسلم يعتني بالفرائض، يأتيه رجل فيسأله عن الإسلام، فيقول: {شهادة أن لا إله إلا الله -والحديث في الصحيحين من حديث طلحة بن عبيد الله - وأن محمداً رسول الله، قال: ثم ماذا؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل علي غيرها؟، قال: لا.

إلا أن تطوع} الحديث، لكن بعض الناس إذا أتى يدعو يسأله عامي: ماذا تدلني؟ قال: أولاً عليك بالصلوات الخمس، والوتر، وأربع ركعات في الضحى، وقيام الليل، وتحية المسجد، فيكثر عليه، فيقول: ما دام أن الأمر هكذا أتركها جميعاً، وإذا سأله سائل عن نافلة: ماذا أفعل في التسبيح؟ -رجل بسيط جاهل، مبتدئ في الإسلام- قال: هلل مائة تهليلة بعد الفجر، وعليك بالأذكار عند الغروب، وقبل النوم قل هذه الأذكار وبعده، ثم يسرد له قوائم من الذكر فيتركها جميعاً.

يقول أبو بكر: يا رسول الله! أخبرني بدعاء أدعو به في صلاتي، قال -وهذا في الصحيحين -: {قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم} حفظه دعاء واحداً فَحَفِظه.

يقول علي: دلني يا رسول الله على دعاء أقوله، قال: {قل: اللهم اهدني وسددني}.

وقال حصين بن عبيد في سنن أبي داود: يا رسول الله! أريد دعاءً، وقيل بل بدأه صلى الله عليه وسلم فقال: {يا حصين! قل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي} أدعية محفوظة مضبوطة.

يقول للصحابي الآخر: {لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} ويقول للثالث: {أفلا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى.

قال: قل لا حول ولا قوة إلا بالله}.

إنه السهولة في العرض، والتدرج في التربية، ولكن المقصد البداية بالفرائض.

تجد بعض الناس يُغلِّب جانب النوافل على الفرائض، تجده يتحدث إلى الناس دائماً عن قيام الليل بينما لا يصلي كثير من الناس صلاة الجماعة في المسجد، أو تجده إذا أتى في ركعتي الضحى خشع وأحضر قلبه واستحضر ما يقول وما يقرأ، ولكن في الفريضة يهزها هزاً ويفنيها فناءً.

وبعضهم عند تلاوة القرآن يخشع، ولكن في تلاوة القرآن في الصلاة لا يخشع وربما شرد ذهنه، وبعضهم تجده يعتمر كثيراً لكنه لم يحج، أو تجده في نوافل الدعوة في كل مكان يتنقل مع الشباب من مدينة إلى مدينة، ولكن والدته عجوز حسيرة كسيرة مريضة في البيت ولم يقم بخدمتها.

وبعضهم عنده والدان شيخان كبيران ليس عندهم من يقوم بخدمتهما، ولا من يقدم المئونة لهما، ويقول: أريد الجهاد، ولا أقول في هذا الباب إلا أن من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، والبداية بالفرائض، والأولويات في الدين هي منهجه عليه الصلاة والسلام.

أحد الأعراب يقول كما في صحيح مسلم: {يا رسول الله! أرأيت إن أديت الصلوات الخمس، وصمت رمضان، وأديت الزكاة، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام أأدخل الجنة؟ قال: نعم.

}.

انتهى الأمر.

لم يقل له فيما بعد: وركعتي الضحى، وتحية المسجد، والكسوف والاستسقاء، والصلاة على الجنازة، هذه القلوب في قضية العرض تتعب، ولا ترتاح لهذا العرض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015