ذلك هو عمر بن عبد العزيز لمن أراد أن يقتدي به، وليس هناك حاجب يحجب المسلم عن الحسنات ولا عن المناقب، وإنما يحجبه الهوى والشهوات والمعاصي، وهذا عمر بن عبد العزيز الذي جلس للناس معلماً ومربياًَ وموجهاً أنفق كل الأموال في طاعة الله، وما أخذ من الدنيا لا قليلاً ولا كثيراً، وكان من أشظف الناس عيشاً، ومن أشعثهم رأساً، دخل عليه ابن سلام فقال: يا أمير المؤمنين! قال: لبيك، قال: حدثني ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما حدثك ثوبان؟ قال: حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن حوضي طوله كما بين أيلة، وصنعاء}.
فبكى عمر بن عبد العزيز حتى سقط من كرسي له من خشب، ثم أجلسوه فقال: لمن هذا الحوض؟ ومن يشرب منه؟ قال ابن سلام: يشرب منه الذي لا يتزوج المتنعمات، ولا يجلس على الديباج، ولا يعدد الأصناف ولا يظلم الناس، فجلس وتربع، وقال: لا جرم، والله لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي حتى يتسخ، ولا أجلس على ديباج حتى ألقى الله، علَّ الله أن يسقيني شربة من الحوض لا أظمأ بعدها أبداً.
ولما توفي حلت المصيبة بالمسلمين كافة، وأغلقت الحوانيت، وأغلقت القلوب بحزنها، والعيون بدموعها:
لعمرك ما المصيبة فقد مال ولا شاة تموت ولا بعيرُ
ولكن المصيبة فقد شهم يموت بموته بشرٌ كثير
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.