الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً وتَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرا، وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، هدى به الله الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد:
فيقول الله تبارك وتعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] أفمن أسس حياته ومستقبله على تقوى من الله وعلى رضوان من الله وعلى خوف من الله وعلى خشية لله خير أم من أسس بنيانه على معصية وتمرد وعدوان لحدود الله وانتهاك لحرمات الله.
ومن سنن الله الكونية القدرية والشرعية الأمرية: أن ينصر أولياءه وأن يحفظ أحبابه ويؤيد عباده، ومن سننه كذلك: أن يخذل أعداءه وأن يمقت من ضاده وحاده؛ ولذلك أتى صلى الله عليه وسلم من غار حراء خائفاً وجلاً، لما أتاه جبريل ظن أن سيموت أو يهلك أو يخزى؛ لأنه رأى صورة ما رآها قبل، فقالت خديجة رضي الله عنها وأرضاها: {كلا والله لا يخزيك الله أبداً! إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق} فاستدلت بحسن فعاله وبجميل صنعه على أن الله لا يخزيه أبداً.
هل رأيتم متصدقاً أخزاه الله؟! هل رأيتم صادقاً أخزاه الله؟! هل رأيتم صالحاً محسناً أخزاه الله؟! إنما يخزي الله أعداءه ومن حاده، أهل المعاصي وأهل الفواحش وأهل السيئات هم الذين يخزيهم الله، والله عز وجل ذكر أهل البر وأهل المعروف فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261].
ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميلُ