من تاريخ الأمم السابقة

ويسافر صلى الله عليه وسلم بالقلوب ليحدثها عن رجل من بني إسرائيل كان باراً بوالديه، ويا عجباً! أن يوجد في اليهود والنصارى من تلين قلوبهم وهم أبناء القردة والخنازير، وهم أعداء الله، الذين لعنهم من فوق سبع سماوات؛ تلين قلوبهم لوالديهم، ويوجد في بلاد المسلمين وأبنائهم، من قسا قلبه، وطمس على فكره، فلا يلين قلبه أبداً.

يقول عليه الصلاة والسلام: {كان فيمن كان قبلكم ثلاثة آواهم المبيت إلى غار في جبل، فلما دخلوا الغار أمطرت عليهم السماء، فأتت صخرة من الجبل فتدحرجت فسدت باب الغار -فأصبحوا في مكان ضيق لا ملجأ ولا ملتجأ منه إلا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، تقطعت الحبال، وأشرفوا على الموت وتأكدوا من الهلاك- فقال بعضهم لبعض: تضرعوا إلى الحي القيوم فإنه لا يكشف الضر إلا هو ولا يجيب المضطر إلا هو، فتقدم أولهم فتضرع إلى الله بأحسن العمل، وقال وهو يبكي عند فم الغار -والغار مظلم لا يكشف ظلمته إلا الله- قال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وإني قد نأى بي طلب الشجر -كان يرعى بغنمه ذاك اليوم فابتعد بغنمه فلم يأتِ إلا في الليل- قال: وأتيت مرة وقد ناما، وكنت لا أغبق عليهما أهلاً ولا ولداً -أي: لا أقدم في إعطاء اللبن ولدي الذي من صلبي، ولا زوجتي ولا أحداً من الناس حتى يشرب أبي وأمي- وإني قد أتيت ليلة من الليالي فوجدت أبي وأمي قد ناما، فحلبت وأتيت باللبن في الإناء فوجدتهما قد ناما فخشيت أن أوقظهما}.

يا للطف! يا للسماحة! يا للبر والجود! حتى وهو قائم باللبن في أول الليل خشي أن يزعجهما من النوم، وهذا فعل الوالد والأم مع الابن يخفضان أصواتهما في البيت حتى لا ينزعج، تلحفه أمه بكسائها، وهي في البرد وهي تنتفض ليتدفأ، ولئلا يجد برداً أبداً، تكسوه في حرارة الشمس وتبقى هي في توقد الشمس حارة ساخنة، فيقول: {فخشيت أن أوقظهما وأبنائي يتضاغون عند رجلي -أطفال يمزق الجوع أكبادهم وأمعاءهم يطلبون اللبن في الإناء، وهو واقف عند رأس والديه وأطفاله لا يستطيعون الوثوب إلى اللبن، وإنما يتدحرجون عند أقدامه- قال: فوالله ما سقيت أبنائي حتى قام والديَّ مع الفجر -فلما لمع الفجر قام الوالد وقامت الوالدة، فقدم الإناء إليهما فشربا، ثم سقى أطفاله، ثم توجه إلى الحي القيوم الذي يعلم الصادق بصدقه- قال: اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء مرضاتك، ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بقدر ما أجاب الله سؤال هذا السائل}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015