أما تأثير الشعر فلا تَسَل، ويكفي أن محمداً عليه الصلاة والسلام يقول: {إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة} ورسولنا عليه الصلاة والسلام لم يكن شاعراً، فقد صانه الله؛ لئلا يُتَّهم في الوحي، وقد اتُّهم بالشعر وهو لم يكن شاعراً؛ فكيف لو كان شاعراً عليه الصلاة والسلام؟! أما غيره فقال كثير من أهل العلم: إنها صفة مدح في الرجل إذا كان ينْظُم ويقول الشعر، ويبدع الكلمة، ويجوِّد الحرف، وليست سلبية أبداً.
وأما الشعر فإنه يجوِّد البخيل، ويشجع الجبان، ويسكت الغضبان وأضرب على ذلك أمثلة سريعة لأدخل في الموضوع:
ابن الأطنابة أمير من أمراء الجاهلية في الحجاز، كان في الطائف، حضر مع قومه والتقى بقبيلة أخرى يقاتلها، ولكنه لما رأى أشعة السيوف -أعاذكم الله من أشعة السيوف- خفق قلبُه وأصابته الحمى، ففر على بغلته وترك جيشه، فلما ذهب بعيداً تذكر أنه لا بد أن تكون له منزلة في التاريخ، وأن ديوان الإنسانية سوف يذكره بهذا، فقال:
أبت لي عفتي وأبى حيائي وأخذي الحمد بالثمن الربيحِ
وإكراهي على المعروف نفسي وضربي هامة البطل المشيحِ
وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تُحمَدي أو تستريحي
فعاد وقاتل وانتصر، وسجل برائعته انتصاراً في التاريخ بسبب ثلاثة أبيات.
وهذا قطري بن الفجاءة حينما حضر المعركة، والخوارج لا تسل عنهم في الشجاعة، فهم بائعو رءوسهم، والخارجي يقاتل بلا رأس ثلاثة أيام، وهذه من الإسرائيليات المنسوبة لبعض الأدباء المعاصرين، فحضر قطري وهو زعيم، فلما رأى السيوف تصرع، ورأى الجماجم تُحط من على الأكتاف فر، ثم رجع إلى المعترك وقال:
أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحكٍ لن تراعي
فإنكِ لو سألتِ بقاء يوم على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاعِ
إلى آخر ما قال، وهي مقطوعة ذهبية جميلة فائقة رائعة، لا يمكن أن يُنْسَج على مثلها إلا أن يشاء الله.