قال صلى الله عليه وسلم: {والصبر ضياء} أين دور الصبر في حياة المسلمين؟ لماذا ينهار شبابنا أمام المسلسل؟! لماذا ينهارون أمام الفيديو؟! لماذا يأتيك الشاب ويبكي أمامك وهو طويل الجسم قوي البنية يهد الجدار، تقول له: اترك الغناء.
قال: والله لا أصبر، حاولت وحاولت لكن اعذرني.
والله هو الذي يعذر ويعاقب أما أنا فليس عندي صكوك الغفران، ولو كانت عندك همة عالية لكانت تكسر الحديد، همه كهمة سعد بن أبي وقاص وسعد بن معاذ وأبي بن كعب لانتصرت على الأغنية، والسيجارة، وعلى لعب البلوت، نحن أمة نلعب بلوت، ما معنى لعب البلوت في حياتنا؟! أنا لا أقول الآن: هو حلال أو حرام لكن أنتم أبناء خالد، أنتم أبناء سعد، أنتم أبناء طارق، أنتم أبناء صلاح الدين، إذا تخلفتم في العالم الإسلامي وأتوا إليكم فوجدوا لعب البلوت والموسيقى وجمع الطوابع والمراسلة وصقور الصيد والغناء والفحش والضياع فماذا نقول للعالم؟! ماذا نقول للتاريخ؟! كيف نحتج؟!
لو أخبروا عمر الفاروق نسبتهم وأخبروه الرزايا أنكر النسبا
أبواب أجدادنا منسوجة ذهباً لكنْ هياكلنا قد أصبحت خشبا
من زمزم قد سقينا الناس قاطبة وجيلنا اليوم من أعدائنا شربا
دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا
أدمت سياط حزيران ظهورهم فقبلوها وباسوا كف من ضربا
وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا
لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلى عجبا
بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضبا
عافوا حياة الخنى والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا
مجدنا صحوة إمامها محمد عليه الصلاة والسلام.
من حبلك الشهم في كف الهدى طرف على التراب وفي أرواحنا طرف
على جماجمنا خض كل معركة أعلى الرءوس التي في الله تختطف
ما هو دستورها؟ القرآن والسنة، أين مسيرتها؟ على {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] من هم أعداؤها؟ المغضوب عليهم والضالون، إلى أين تصل؟ إلى جنة عرضها السماوات والأرض {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46] من أعلى منا؟ من أحسن منا؟ من أسعد منا بهذا الدين؟ فلماذا يعلق علينا؟ ما هي جناية الأمة المسلمة؟ ما هي جناية الصحوة أن تعلقت بلا إله إلا الله؟ أهي مسئولة عن ترويج المخدرات؟ أهي مسئولة عن ترويع الآمنين؟ أهي مسئولة عن تهديد الأمة؟ أهي مسئولة عن استيراد الأفكار من الغرب وإدخالها التعليم وشحنها في الأذهان؟ أهي مسئولة في إياك نعبد وإياك نستعين؟ أهي مسئولة في ذبح لا إله إلا الله؟ لا.
بلاد أعزتها جيوش محمد فما عذرها ألا تعز محمدا
ما عذر الأمة ألا تعز محمداً وقد أعزها بجيوشه؟! يقول البردوني وهو شاعر لا زال حياً في صنعاء:
طه إذا ثار إنشادي فإن أبي حسان أخباره في الشعر أخباري
أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار
تظافرت في الحمى حوليك أنفسهم كأنهن قلاع خلف أسوار
إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار
هذه سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا منهجه.
وجيله يجلس الآن هنا ليسمع الذكر، لأن هناك جيلاً يجلس أكثر منكم مع الكرة والمنتخب والكأس، وجيل هناك يجلس على البلوت وما أدراك ما البلوت، وجيل هناك على جمع الطوابع، وجيل هناك على الشاطئ، وجيل هناك على الأرصفة في المغازلة والضياع، أما أنتم فجلستم هنا، الله يرقبكم الآن، يقول لكم بعد دقائق: انصرفوا مغفوراً لكم فقد رضيت عنكم وأرضيتموني، يباهي بكم الملائكة يقول: في البلد الفلاني في المكان الفلاني في المجلس الفلاني قوم اجتمعوا، فتقول الملائكة كما في صحيح مسلم: {يا رب يسبحونك، فقال: هل رأوني؟ قالوا: لا والله ما رأوك -والله أعلم- قال: كيف لو رأوني؟ قالوا: كانوا أكثر تقديساً لك، قال: وما يسألون؟ -والله أعلم- قالوا: يسألونك جنتك، قال: هل رأوها؟ قالوا: لا يا رب قال: كيف لو رأوها؟ قالوا: لو رأوها لكانوا أكثر مسألة، قالوا: ويستعيذونك، قال: ممَ؟ -والله أعلم- قالوا: من النار، قال: هل رأوا النار؟ قالوا: ما رأوها، قال: كيف لو رأوا النار؟ قالوا: كانوا أشد استعاذة، قال: أشهدكم أني غفرت لهم وأدخلتهم الجنة، قالوا: يا رب! معهم فلان إنما جلس لحاجة، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}.
فنسأل الله أن يسعدنا وإياكم، ليس معنا إلا هذه المجالس، هي مجالس الإيمان، وهي مجالس الجنة، وهي مجالس الملائكة، هي الكنز الذي تلقاه يوم العرض الأكبر، قال عطاء بن أبي رباح: [[مجلس واحد من مجالس الذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس اللهو]].
أيها الإخوة: انتهت المحاضرة بحفظ الله ورعايته، ونحن نطلب منكم دماً هذه الليلة، مستشفى عسير المركزي يطلبكم أن تتبرعوا بدمٍ من دمكم الطاهر لأناس يحتاجون إلى الدم:
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود
والتبرع بالدم أفضل من التبرع بالمال، وهو أغلى من الذهب والفضة، وأنتم بحاجة أن تحيوا النفوس، {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32] وعلى الأسرة أناس ينتظرون منك قطرات أن تدفعها لتلقاها {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] رجال ونساء توقفت حياتهم على قطرات دم تدفعها أنت في بنك {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] يأخذونها منك ويدفعونها في شرايين هذا الرجل الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت فينتعش بدمك فيعود حياً إذا كان الله قد أذن له بها، فيأكل ويشرب ويسعد بالحياة كما سعدت بها.
هذا تقرير من طبيب، منطقة أبها لا يؤثر فيها سحب الدم؛ لأنها ترتفع عن البحر ثلاثة آلاف متر فوق مستوى سطح البحر يزيد من تركيز الدم، وثخونة الدم يعرقل دورانه في الجسم والتبرع يجعله سهلاً، ويجعل حركته منتظمة ويعينك إن شاء الله على حياة سعيدة، أنتم أبناء من تبرعوا بدمائهم في بدر وحطين واليرموك وأحد وسكبوا الدماء وضرجوا بها الأكفان، وأنتم الآن لستم في جبهة ولستم في ثغرة، جبهتكم أن تدفعوا من دمائكم شيئاً قليلاً لأولئك الذين ينتظرونكم في مستشفى عسير المركزي قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] فتبرعوا من دمائكم عسى الله أن يعوضكم بجنة عرضها السموات والأرض، وعسى الله أن يحرم دماءنا ودماءكم على النار.
ومن أراد فليذهب للأطباء هناك وسوف يتم ذلك بعد الكشف عليه، ومن المبشرات أنهم سوف يمنحونك عصيراً مشكلاً بعدما يسحبون الدم منك وشيئاً من البسكويت ليعوض عنه ما أخذ وهو مجاني والحمد لله.
فنسأل الله أن يسعدنا وإياكم في الدار الآخرة، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، ولا يرينا وإياكم لا سوءاً ولا مكروهاً، وأن يحفظنا وإياكم بعين رعايته، ونسأله سبحانه وتعالى لمن أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً أن يشغله بنفسه، وأن يكفينا شره، وأن يهتك أستاره، وأن يفضح أسراره، وأن يجعله عبرة للمعتبرين، اللهم من سل على المسلمين سيفاً فاقتله به، واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين.
اللهم تولنا فيمن توليت، واهدنا فيمن هديت، ووفقنا لكل خير.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.