وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {القرآن حجة لك أو عليك} هذا القرآن لا يقوم على الإنسان إلا بزيادة أو نقص، ليس كتاب ثقافة ولا مطالعة؛ لأن كتاب المطالعة إن قرأت فيه أو لم تقرأ أو تدبرت أو لم تتدبر فأنت أنت، أما القرآن وحده فإنك إذا قرأته متدبراً؛ زادك الله بصيرة، وإلا زادك خسراناً والعياذ بالله، قال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء:82] قال بعض السلف: ما جالس أحد القرآن، فقام عنه سالماً، بل إما أن يربح أو أن يخسر، ثم تلا هذه الآية.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: {حجة لك} فإن من عمل بالقرآن دافع عنه القرآن يوم القيامة، وعند الحاكم في المستدرك: {يأتي القرآن والصيام يوم القيامة، فيقول الصيام: يا رب! منعته طعامه بالنهار، ويقول القرآن: يا رب! منعته نومه بالليل، فيستشفعان فيه، فَيَشْفَعَانِ فيه} ولا يزال القرآن يحاج عن العبد يوم القيامة ويقول: يا ربِّ أسهرته، يا ربِّ عمل بي، يا رب ترك نواهيه؛ حتى يدخله الجنة، وفي أحاديث صحيحة: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم (سورة تبارك) أنها المنجية، أنجت صاحبها من عذاب القبر، ثلاثون آية حاجت عن صاحبها حتى منعته عذاب القبر؛ لأن ملائكة العذاب أتت إلى رجل في القبر، فأرادوا أن يدخلوا إليه، واقتربوا من وجهه، فأتت (تبارك) دون وجهه، ثم أتت إلى أقدامه فمنعته، وإلى جنبه فمنعته، فحاجت عنه، والمراد من قام بها وعمل بمقتضاها.
وأنا أرشدكم إلى كثرة قراءة سورة الملك {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] وأن تكرروها، ولو في اليوم والليلة مرة، وأن تسعدوا بقراءتها وأن تحفظوها أبناءكم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: {أو عليك}.
فإنه يأتي لمن أبطل تعاليمه وأبطل مراسيمه، فهو يحجه ويدمغه ويكذبه، ويقول: يا ربِّ قرأني ولم يعمل بي وخالف أوامري، قرأ: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] وهو يظلم، وقرأ {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [البقرة:27] وهو يقطع، وفي القرآن لعنة المنافقين وهو ينافق، وتحريم الربا وهو يرابي، وتحريم الزنا وهو يزني، وتحريم الغناء وهو يسمع الغناء، فهذا محجوج يوم القيامة.
فالقرآن أمام رجلين: إما أن يأخذ الرجل فيقوده حتى يدخله الجنة، وإما أن يأخذ الرجل من قفاه حتى يزج به في النار، ولا يترك القرآن العبد أبداً، هذا القرآن حجة لك أو عليك، فعلى الإنسان أن يستعرض حياته ومنهجه ونفسه على ضوء القرآن الكريم الذي نزل على سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يمثل القرآن يوم القيامة رجلاً، فيؤتى بالرجل قد حمله، فخالف أمره، فيتمثل خصماً، فيقول له: يا ربِّ حملته إياي فشر حامل، تعدى حدودي، وضيع فرائضي، وركب معصيتي، وترك طاعتي، فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده، فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار، ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله وحفظ أمره، فيتمثل خصماً دونه، فيقول: يا ربِّ حملته إياي فخير حامل، حفظ حدودي، وعمل بفرائضي، واجتنب معصيتي، واتبع طاعتي، فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذه بيده، فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق، ويعقد عليه تاج الملك، ويسقيه كأس الخمر} كأس الخمر الذي في الجنة، رواه ابن أبي شيبة وابن الظريف في فضائل القرآن، والخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل، وفيه محمد بن إسحاق وقد عنعن وهو مدلس، وقد رواه أيضاً البزار، وذكره الهيثمي في المجمع وقال: فيه ابن إسحاق وهو ثقة، ولكنه مدلس وبقية رجاله ثقات.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: [[القرآن شافع مشفع، وحامل مصدق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار]] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} وهذا عند مسلم: {وتأتي سورتا البقرة وآل عمران كغمامتين أو كفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما يوم القيامة} وصح عنه أيضاً أنه: {يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها} فيقرأ الذي كان يقرأ في الدنيا ويعمل حتى يقف إلى مستوى حفظه في الدنيا، فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على حفظه، والعمل به وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.