تنبهوا يا رقود إلى متى ذا الجمود
فهذه الدار تبلى وما عليها يبيد
الخير فيها قليل والشر فيها عتيد
والعمر ينقص فيها والسيئات تزيد
فاستكثر الزاد فيها إن الطريق بعيد
أمامك حفرة مظلمة لكنها للمتقين روضة من رياض الجنة، أمامك قبر تردى فيه الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والتجار.
أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
صمٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق
مر مجدد القرن الأول الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، يوم العيد، وقد كان خليفة المسلمين من طاشقند في الشمال إلى جنوب أفريقيا، ومن مشارق سيبيريا إلى الأندلس إلى شرق نهر السند كلها يملكها رضي الله عنه وأرضاه، فنزل يوم العيد فرأى المقابر؛ فبكى حتى جلس، فقال: [[يا أيتها المقابر! كم فيك من حبيب! كم فيك من قريب! ما كأنهم أكلوا مع من أكل، وما كأنهم شربوا مع من شرب، ما كأنهم ضحكوا مع من ضحك]] ثم قال: [[يا موت! ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم بكى وأجاب نفسه بنفسه وقال: أتدرون ما يقول الموت؟ قالوا: لا.
قال: يقول: أكلت الحدقتين، وفقأت العينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والعضدين عن الكفين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين]].
إن كنت تريد الخلود -أيها المسلم- والسعادة والرضا فاعمل للجنة:
اعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها
أما هذه الدار فمنذ خلقها الله وهي منغصة ليس فيها راحة، إذا ارتحت فيها مات ولدك، وإذا نسيت مصيبته مرض الآخر، وإذا نسيت ألمه مرضت زوجتك، وإذا تشافت مرض جسمك، مكدرة منغصة كتب الله عليها التكدير، فضح الموت الدنيا فلم يدع لذي لب فرحاً.
فيا أهل العقول! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأوصيكم أن تقوموا في سبيل الله عزَّ وجلَّ دعاة خير، وأن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر؛ ليرضى الله عنكم ظاهراً وباطناً؛ وليسعدكم في الدنيا والآخرة؛ وليكون الله معكم أينما كنتم وأينما صرتم، أيدوا كلمة الحق وقوموا مع المحق، ولا ترضوا بالباطل وقوموا في وجهه، حينها يرضى الله عنا وعنكم.
نسأله سبحانه لنا ولكم التوفيق والهداية، والسداد والرشد.
اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق؛ أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين!
وإن كان من شكر فإني أشكر الله تعالى ثم أشكركم على حضوركم وإنصاتكم، وأشكر المركز الصيفي بمدرسة اليرموك على دعوته الموقرة، وعلى نشاطه الخير، وعلى بذله في الخير، وأشكر الأساتذة القائمين فيه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.