يونس عليه السلام أحد الأنبياء كان يحفظ الله في الرخاء، كان مصلياً، صائماً للنهار، قائماً لليل، ذاكراً لله، غضب على قومه فخرج منهم وما استأذن الله، والواجب أن يستأذن ربه، لكن قومه عاندوه، يقول لهم: هذا الطريق المستقيم، فيقولون له: لا.
فلما ركب السفينة في البحر، أخذت الريح تلعب بالسفينة، فقال ربان السفينة: معنا رجل مذنب ولا يمكن أن تهدأ الريح حتى تنزلوا هذا الرجل من السفينة -حتى قواد السفن والطائرات يعرفون أنه لا يأتي الخلل إلا من ذنوب وخطايا، فقالوا: استهموا -قرعة- فوقعت القرعة في يونس عليه السلام، فأقرعوا ثانية فوقعت فيه، فأقرعوا ثالثة فوقعت فيه، فأخذوه بيديه وبأرجله وأوقعوه في البحر في الليل.
سبحان الله! لا قريب ولا أهل ولا زوجة ولا ولد، رموه هكذا في وسط البحر وسط الليل المظلم، وليته بقي على خشبة أو بقي يسبح لكن ابتلعه الحوت، ما وقع في البحر إلا والحوت فاغر فاه فأطبق عليه، فأصبح في ظلمات ثلاث؛ ظلمة الليل وظلمة اليم وظلمة بطن الحوت.
فمن يتذكر؟ هل يتصل بأهله، هل يكلم أخاه أو قومه؟ لا.
قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] رد إلهامه إلى الله.
ونادِ إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى
وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا
فلما قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قذفه الحوت في الشاطئ، وأنجاه الله الذي يقول للشيء كن فيكون؛ لأنه حفظ الله في الرخاء.
يذكر ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي قصة لرجل من الصالحين كان يصوم النهار ويقوم الليل، والصلاح ليس بكلمة تقال، أو خطبة جمعة يخطبها الإنسان، فإذا خرج فإذا هو من أظلم الناس وأفجرهم، وإذا هو قاطع رحم، أو عاقٌ لوالديه، يفجر، ويحلف اليمين الغموس، وهذا ليس بصلاح، الصلاح عمل وخوف من الحي القيوم.
فهذا الرجل الصالح كان يشتغل بالتجارة، وكان كثير الذكر والتلاوة والصيام والعبادة، فخرج ببغلات له يشتغل فيها على التجارة، فمر به مجرم فقال: يا فلان! أوصلني إلى ذلك المكان فقال: اركب معي، فركب معه، فلما أصبحوا في غابة لا يراهم إلا الله، أخرج المجرم خنجراً، وقال لهذا الرجل الصالح: ادفع ما عندك من مال فوالله لأقتلنك.
قال الرجل الصالح: أسألك بالله الذي قامت به السماوات والأرض أن تأخذ ما عندي من مال وما عندي من تجارة وتتركني، أنا عندي أبناء وأمهم ولا يعولهم بعد الله إلا أنا.
قال: والله الذي لا إله إلا هو لأقتلنك.
قال: فأسألك بمن قامت به السماوات والأرض أن تتركني لأصلي ركعتين قال: صلِّ ركعتين واستعجل، فقام فتوضأ وقام ليصلي قال: فلما كبرت نسيت كل آية في القرآن من الخوف والله ما ذكرت إلا قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] من يجيب المضطر إلا الله! من يكشف السوء إلا الله! من يشافي المريض إلا الله! من يجبر الكسير إلا الله!
قال: فقلت في نفسي: يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني!
قال: والله ما انتهيت من الدعاء إلا وفارس أقبل على فرس من آخر الوادي، ومعه رمح فأرسل رمحه فوقع في لبة هذا الرجل فإذا هو مقتول على قفاه.
فقال: أسألك بالله من أنت؟
قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه.
لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت الدعوة الثانية كنت في الرابعة، ولما دعوت الثالثة أتيت إلى الأرض لأقتل هذا المجرم.
وهذا من كرامات الأولياء عند أهل السنة والجماعة.
نعم من يحفظ الله في الرخاء يحفظه في الشدة.
يقول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.
هذه -يا عباد الله- قضايا لا بد أن تفهم لكل مسلم، إن من لا يحفظ الله لا يحفظه الله.