حديثنا أيها الأحبة عن عالم الجرح لا يعني أننا نيئس أو نستسلم، فإن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن القنوط، وأمرنا بالتعلق به عز وجل، وعند ذلك تزول عن عيوننا غشاوة اليأس والقنوط، هذه القصيدة من آخر القصائد التي كتبتها وأستطيع أن أقول: إنه لم يسمعها أحد في ميدان أو في أمسية عامة كهذه الأمسية إلا أنتم في هذه الليلة، عنوان القصيدة: من القدس إلى سراييفوا:
أزبلتني الوجدان وبكى قبل مقلتي الوجدان
سهم عينيك لم يصبني ولكن سلبتني إرادتي الأجفان
أنتِ لم تنطقي بحرف ولكن غار من صمتك البليغ البيان
لغة العين نظرة ذات معنى وحديث المشاعر الخفقان
أنتِ غيث في قيض جرحي هنيء وعلى شاطئ المنى الريحان
أنت في غامد ترانيم حب رددتها بلهفة زهران
أنت في قريتي الحبيبة نهر تتغنى بمائه الشطآن
لا تغيبي عني فإني لأخشى أن يجف الندى ويشقى الجنان
يصبح الظل لوحة من شحوب حين تشكو جفافها الأغصان
آه! لو تسمعين ما قال حزني وبماذا تحدث الطوفان
إن تريدي وصفاً لأمواج همي فاسمعي ما يقوله البركان
لا تقولي من أنت؟ إني محب أشعلت في فؤاده النيران
يرحل الشعر بي فمالي مكان مستقر ولا لشعري مكان
أكتب الشعر في بني ظبيانٍ فتغني بشعري القيروان
وتغني به بساتين يافا وتغني بلحنه لبنان
يرحل الشعر بي فوجه دمشق يتراءى ويهتف الجولان
وتغني صنعاء بعض نشيدي وتراني أمامها تلمسان
يرحل الشعر بي ففي أرض سينا ألف بيت يشدو بها الميدان
وعلى النيل والفرات بقايا من نشيدي يشجو بها السودان
وعيون العراق ترقب فجراً تحت أضوائه يتيه الزمان
يرحل الشعر بي إلى القدس لكن كسرت عند بابه الأوزان
آه! يا قدسنا تنكر قوم وأباحوك للعدو وخانوا
صنعوا قهوة الخضوع فلما أتقنوها تبرأ الفنجان
سار موج الإرهاب فيهم فقل لي كيف ساق السفينة القبطان
أإلى شاطئ دعاها أم إلى شاطئ جفاه الأمان
شرب البحر ماءه فتلاشى كل موج وماتت الحيتان
بحرنا اليوم لجة من سراب باع فيها حياته الظمآن
قلب مسرى نبينا يتلظى وعلى وجهه يثور الدخان
وبعينيه أدمع لا تسلني عندها كيف يصنع الفيضان
ودعاة السلام يبنون بيتاً ومحال أن يكمل البنيان
كيف تبنى البيوت فوق رمال كيف تبنى ومالها أركان
أرأيتم في الأرض آثار بيت ماله ساحة ولا جدران
مالهم يرفضون في كل صوت دون وعي كأنهم عميان
يا عيون السادات نامي طويلاً فقد اجتاح قومنا الإذعان
ملت الكأس شاربيها وألقى سرجه الحر في الطريق الحصان
كل من سطروا كتاب التصدي مسحوا أحرف الكتاب ولانوا
لعن المجد غيلة فبماذا سيلاقي الحقيقة الهرمزان
أنت يا من تسافرين بقلبي وعلى راحتيك ينمو الحنان
هل رأيت الطريق حين مضى بي في دروب صخورها كثبان
هل سمعت التاريخ لما دعانا فأبت أن تجيبه الأوثان
آه! مما تراه عين محب في زمان يعز فيه الجبان
أثقلتنا أوهامنا فرضينا ما يقول المكابر الخوان
شاب رأس الإباء لما رآنا نرتضي ما يقوله الرهبان
أيها الهارب الذي يتجلى كل يوم في فعله الطغيان
أيها الهارب المخبئ وجهاً أين تنوي المسير يا حيران
أوكل الجهات في الكون غرب أوكل الهواتف الغربان
لو تدوم الحياة ما مات كسرى وتهاوى من بعده الإيوان
هل درى البدر وهو يبغي كمالاً أن عقبى كماله النقصان
قال لي صاحبي: وجدت كتاباً قلت: لا يخدعنك العنوان
قال: عنوانه الكبير سلام عالمي قلت: انجلى البرهان
إنما هذه أكاذيب عصر يتلهى بأمره الشيطان
أمتي فيه كالسجينة تشكو وتعاني مما جنى السجان
فوقها صخرة من الوهم كبرى وعليها من لهوها قضبان
يضحك القوم بالسلام عليها ودليلي ما تشهد البلقان
(البوسنة والهرسك)
مسلمات ومحصنات ضحايا ألبستهن عارها الصلبان
ثملت أمتي من الكأس قل لي بعد هذا أيعقل السكران
كيف ترجو الخلاص مما تعاني وقد اختل عندها الميزان
أيها الحاكمون! هل من جواب صادق حين يسأل الرحمن
إنما هذه أمانة دين شأنها في الحياة لا يستهان
خشيت حملها الجبال الراوسي وتصدى لحملها الإنسان
أين أنتم أما لديكم قلوب أين أنتم أما لكم آذان
هان مليارنا وعز قطيع من يهود فكيف طاب الهوان
إن غدا همنا طعاماً وشرباً فعلينا يفضل الحيوان