أعظم وسائل الثبات

أيها الإخوة! إن من أعظم وسائل الثبات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يسألها وهو في سجوده فيقول: {يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك} أن يملك الإنسان قلباً سليماً؛ ليس فيه حقد، ولا غل، ولا كراهية، ولا بغضاء، ولا حسد، ينام هذا الإنسان وليس في قلبه حقد على مسلم لخير أعطاه الله إياه، وإن جاز لنا أن نتكلم عن بعض الحضور فإنني أقول: إن مما استفدته واستفاده غيري من طلبة العلم، استفدناه نظرياً ونسأل الله أن يعيننا جميعاً على تطبيقه وتحقيقه من سماحة الوالد سلامة الصدر، وأن يحرص الإنسان على أن يقابل الإساءة بالإحسان، ويقابل المنكر بالمعروف، ويقابل المعصية بالطاعة، وأن يعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه، ويصل من قطعه، فإن هذا هو الأمر المتعين، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199].

أي: خذ ما جاء من الناس عفواً بلا تكلف ولا عنت ولا مشقة، (وأمر بالعرف) أي: بالخير الذي ينفع الناس في دينهم ودنياهم، ومن تنكب هذا وذاك فعليك بالإعراض عنه وحسن المقال، قال الله عز وجل: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الإسراء:53] فتحري الإنسان طيب الكلام، وحسن الدعاء لإخوانه، والرغبة في هدايتهم، والشفقة عليهم، وعدم تصديق قالة السوء عنهم مهما كانت؛ فإن هذا من أسباب جمع الكلمة، ومن أسباب صفاء القلوب، والله تعالى قال على لسان خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:87 - 89].

فسلامة القلب أمر عظيم، وربما نستطيع أن نتكلم جميعاً عن هذا الأمر ونفيض فيه وندعو الناس إليه، لكن الشأن والخطب هو: هل يستطيع الواحد منا أن يضع خده على وسادته فلا يشعر في قلبه ببغضاء لمسلم؟ نعم قد ترى أن فلاناً ظلمك، وفلاناً أخطأ عليك، وفلاناً أساء إليك، وفلاناً قال، وفلاناً فعل، وهم -أيضاً- يرون أنك قلت وفعلت وظلمت وأخطأت، فالشأن كل الشأن أن تستطيع أن تصفي قلبك، فلا تجعل فيه مستقراً لبغضاء مسلم، ولا لحقد على مسلم، يكفيك أن في قلبك محبة الله تعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة الأخيار، وبغض الكافرين والمنافقين الذين بغضهم عبادة؛ بل جزء من الإيمان، بل هو جزء من تحقيق معنى (لا إله إلا الله) التي هي نفي وإثبات؛ إثبات الألوهية لله تعالى وحده ونفيها عمن عداه، ويتبع ذلك محبة الله ومحبة رسله والملائكة والأولياء والصالحين، وبالمقابل بغض الشرك والمشركين، وبغض الأوثان وأهلها كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] فلم يعد في هذا القلب مستقر لبغض المؤمنين وبغض الصالحين ولو وجد منهم ما وجد من خطأ أو تقصير أو ما تظنه أنت خطأً أو تقصيراً في حقك، أو ظلماً لك أو ما أشبه ذلك.

وإنني أذكر قصة رواها أحمد والبزار وغيرهما وقوى إسنادها الهيثمي في مجمع الزوائد: {أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تقطر لحيته من أثر الوضوء، فأراد عبد الله بن عمرو بن العاص أن ينظر شأن هذا الرجل، فقال له: إنه كان بيني وبين أبي ملاحاة، وإنني آليت ألا أدخل البيت ثلاثة أيام، فأريد أن أبيت عندك، فذهب معه وبات عنده، فنظر في صلاة هذا الرجل فلم يجد عنده كثير صلاة، ونظر في صيامه فوجده كغيره من الناس، فلما تمت الأيام الثلاثة قال له: يا هذا! لم يكن بيني وبين أبي شيء ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا؛ فأحببت أن أنظر بم بلغت ما بلغت، قال: أما إذ قلت ذلك؛ فإنني أبيت يوم أبيت وليس في صدري حقد على مسلم على خير أو فضل أعطاه الله إياه}.

وقد يستطيع الواحد منا أن يحسن صلاته، أو أن يعفي لحيته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن يقصر ثوبه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يستطيع أن يفعل كثيراً من الأعمال الظاهرة، لكن أمر القلب عظيم يحتاج إلى صبر ومجاهدة وإلى مقامات {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35] وإنني أعلم أن هذا الأمر خطير وهذا الشأن عظيم، وأنا فتحت الموضوع ولكني ما وفيته حقه، فألتمس إن أذن الإخوة المنظمون من سماحة والدنا أن يقول ولو كلمات يسيرات لعل الله أن ينفع بها الحضور، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015