بركة أعضائه صلى الله عليه وسلم وآثاره

وأما بركة يده صلى الله عليه وسلم فيقول أنس خادمه: {والله ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف الرسول صلى الله عليه وسلم، والله ما شممت مسكاً ولا عبيراً أحسن من رائحة الرسول صلى الله عليه وسلم}.

روى البيهقي عن وهب بن حجر من ملوك اليمن قال: {وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه فصافحني، فبقيت ثلاثة أيام وأنا أغسل يدي والله ما ذهب المسك من يدي}.

نام عند أم حرام بنت ملحان عليه الصلاة والسلام، فلما نام في القيلولة أخذ عرقه يتحدر كالجمان كالدر -كان صاحب عرق فعرقه صلى الله عليه وسلم غزير إذا نام- فأخذ يصب في الأرض -فانظر لحبهم له رأت أنه خسارة أن يصب هذا العرق- فقربت قارورة، وهي عجوز كبيرة، وهو صلى الله عليه وسلم أب للمؤمنين، فأخذت بكفها ومسحت الجبين الطاهر الأزهر الأنور الذي يلمع أجمل من البدر ليلة أربعة عشر، فعبأت القارورة فوجدت ريح المسك في بيتها، تقول: والله ما يمرض مريض في بيتنا فنأخذ قطرة من العرق ونجعله في القدر إلا يتشافى المريض بإذن الله.

لقد جعل الله أحب العباد إليه وأحسنهم وصفوتهم وخيرتهم محمداً صلى الله عليه وسلم، نظر في قلوب العالم كلهم فاختار قلبه للرسالة: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] سبحانه وتعالى.

وأما هذا الحديث فأنا أعرض لكم تحسينه على البوصيري المحدث الشهير وأبو يعلى والبزار، والحمد لله ولا فخر، وأنا ما تخصصت في الحديث، وأنا أورد عليكم أحاديث، فيها ما يقبل التحسين وله شواهد، ومن أحاديث السيرة فلا يلمنا لائم، فأحاديث السيرة نتوسع فيها مالا نتوسع في الحلال والحرام.

روى أبو يعلى والبزار بسند حسنه البوصيري: {أن ابن الزبير أتى وعمره ثلاث سنوات -وقيل أصغر في بعض الروايات- فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحتجم -تعرفون دم الحجامة، وهو صلى الله عليه وسلم طاهر، وآثاره طاهرة- فوضع الدم من الحجامة في طست، وقال: يا عبد الله! ضع هذا في مكان لا يراه أحد -بحيث يأخذ الدم ويخفيه- فأخذه ابن الزبير ومال وراء البيوت فشربه} هذا عبد الله بن الزبير صنديد يشرب الموت مثل شرب الماء، هو أول من طاف في السيل في مكة، فر الناس في الجبال حين جاء سيل، فاقتحم الحرم وخرج الناس من بيوتهم على سطوح المنازل وهربوا إلى الجبال، ورأى ابن الزبير السيل يطوف بالحرم فألقى ثيابه واتزر ورمى نفسه في السيل، فطاف سابحاً سبعة أشواط، صنديد ستسمعون أخباره بعد قليل، المقصود أنه شرب دم حجامته صلى الله عليه وسلم وعاد بالصحن خالياً قال صلى الله عليه وسلم: أين وضعت الدم؟ قال: وضعته في مكان لا يراه أحد، قال صلى الله عليه وسلم: {ويل لك من الناس وويل للناس منك، لا تمسك النار} أما ويل لك من الناس: فأنت أصبح فيك جزء مني، فلا بد أن تبتلى مثلما ابتليت، أي: بشيء فقط من الأذى؛ لأن أكثر ما واجه الظلم والعدوان والحسد والإيذاء محمد صلى الله عليه وسلم، وأما ويل للناس منك، فمعناه: أنك يصبح عندك من العظمة والهمة والشجاعة والإقدام ما الله به عليم، وأما لا تمسك النار: كيف تمسك النار وبعض دمي في دمك؟!

يقول الذهبي شيخ المحدثين والمؤرخين: كان يصوم سبعة أيام متواصلة ليلاً ونهاراً، ويفطر في اليوم الثامن على سمن البقر، وكان يصلي في الليل النافلة، ليلة واقفاً من بعد صلاة العشاء يقف في الحرم -هذا ثابت عنه- إلى أن يقرب الفجر، ثم يركع، ثم يسجد ليلة كاملة، وليلة راكعاً طوال الليل من العشاء إلى الفجر، وليلة ساجداً، وقاتل أهل الشام قتالاً ما سمع بمثله في التاريخ، كان أمامه خمسمائة مقاتل يهزمهم قالوا: والله ما مثله إلا كالأسد أمامه المعزى، يقبل عليهم بالسيف، فيشردون من الأبواب، ثم يقبل على هؤلاء فيشردون من الأبواب، ثم في الأخير لما كثر عليه الرمي من كل جهة والمنجنيق، قام وكبر وصلى عند المقام، فأتته قذيفة، فوقعت في رأسه، فسقط شهيداً عند الكعبة، فرفع عند المقام، فأتى ابن عمر ليؤدي له التحية وهو ميت، قال: السلام عليك يا أبا خبيب! أشهد أنك من المصلين الصائمين، أشهد أنك كنت وصولاً للرحم، ووالله إن أمة أنت شرها إنها أمة خيرة، وهو من خير الناس، ثم مرت أسماء أمه وهي عمياء، قالت: أما آن لهذا الفارس أن يترجل، فدفن وهو أحق الناس بقولهم:

علو في الحياة وفي الممات لحق أنت إحدى المعجزات

وذكر الحاكم وصححه أن ثابت بن قيس بن شماس خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم، اختلف مع زوجته والخلاف قديم، فأقسمت بالله لا أرضع طفلك، حيث أتى له رضيع صغير، فأقسمت ألا ترضعه، فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! الطفل سيموت؛ لأن أمه من العداوة أقسمت ألا ترضعه، فأخذه صلى الله عليه وسلم فبزق في فمه، وقال: أما إن الله سوف يسهل له من يرضعه، وإذا بأعرابية تصل إلى المدينة قالت: أين محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قالوا: هو عند الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت: رأيت في المنام قائلاً يقول: اذهبي فأرضعي محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: وإن ثديها يقطر لبناً، فأرضعته وصار من أحسن الناس، وهذا من بركته عليه الصلاة والسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015