الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
هذا هو الدرس الخامس من قصة الرسالة بعنوان: معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
كان صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك، ومعه جيش حافل، عداده ثلاثون ألف مقاتل في سبيل الله، ومعه عشرة آلاف فرس، وآلاف الجمال، فلما أصبحوا في الصحراء بعيدين عن الماء، أشرفوا على الهلاك، لا آبار حولهم، ولا أنهار، ولا أمطار، بحثوا في قربهم، فإذا هي قد انتهت بمائها، التمسوا الماء يمنة ويسرة، فإذا هو لا ماء، أخذوا يتلمسون الماء، جفت لسان كل واحد منهم، نشفت كبده في جوفه، وأجرهم عند الله، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ} [التوبة:120].
فأشار بعضهم على بعض بأن ينحروا الجمال ويخرجوا ما في بطونها وبأكراشها من ماء فيعصرونه ويشربونه، إلى هذا الحال، وإلى هذا المستوى بلغ الجهد والظمأ.
حتى إن الفرزدق الشاعر المشهور حين ظمئ مرة من المرات يقول:
على ظمأ لو أن في القوم حاتماً على جوده ضنت به نفس حاتم
يقول: بلغنا من الظمأ درجة لو أن حاتماً الطائي على كرمه معنا، ومعه ماء فلن يسقينا، فهؤلاء الصحابة بلغوا من الجهد والإعياء والظمأ أعظم من ذلك، أشار بعضهم بنحر الجمال، فقام عمر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعرض عليه المشكلة، وقال: {يا رسول الله إن الله قد عودك عوائد فادع الله لنا} يقول: أنت صاحب العوائد أنت المبارك؛ فقط ترفع يديك ويأتي الغيث، وينزل المطر، ينزل النصر، ويقع الفتح بإذن الله، يكفي منك أن ترفع يديك، فالله قد عودك عوائد، والسماء ليس فيها سحاب، وليس هناك هواء بارد، ولا مظلة تنزل الغيث؛ لا برق ولا رعد، في شدة الحر، والرسول عليه الصلاة والسلام له عوائد، كما قال عمر.
من عوائده باختصار ومن المعروف لديكم: ما في الصحيحين لما وقف صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في شدة الصيف ولا سحاب في المدينة، ولا غيث، ولا هواء بارد، ولا شيء، فدخل أعرابي وقال: {يا رسول الله جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل -وسط الخطبة والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في غير موضوع الاستسقاء- فادع الله أن يغيثنا، فقطع صلى الله عليه وسلم الكلام ورفع كفيه -الشريفتين الطاهرتين النظيفتين البارتين- وقال: اللهم! أغثنا} فما هي إلا لحظة، وإذا الذي يقول للشيء: كن فيكون، يرسل بإذنه سبحانه سحابة كالترس من وراء جبل سلع، فتعترض في سماء المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل من المنبر، وخطبه دقائق فتمتلئ سماء المدينة سحاباً، وينزل الغيث فجأة، فيصب سقف المسجد على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أمام الناس، فيقول: {أشهد أني رسول الله}.
يقول ابن عمر: [[كنا إذا نظرنا إلى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر تذكرنا قصيدة عمه أبي طالب فيه:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
]]
فقط تنظر للوجه تذكر الرحمة، ويستسقى به الغمام بإذن الواحد الأحد، ومعه النور والبركة والخير.
غلام رماه الله بالحسن يافعاً عليه لمجد الصالحين به أثر
كأن الثريا علقت في جبينه وفي كفه الجوزا وفي وجهه القمر
ولما رأى المجد استعيرت ثيابه تردى رداء واسع الجيب واتَّزر
هذا المعصوم صلى الله عليه وسلم يأتي إليه عمر، فلا يتقدم من الثلاثين ألفاً ولا من الصحابة ولا من الجيش أحدٌ إلا عمر فيقول: {الله عودك عوائد فادع الله لنا، فأتى صلى الله عليه وسلم في مجلسه، قال: اللهم أغثنا} وفجأة وتأتي سحابة تغطي المعسكر، على حده لا زيادة ولا نقصان، فتهل غيثها، وترسل عيونها، وتسكب ماءها، فتمتلئ الأحواض والخنادق والقرب والأواني؛ هذا يغتسل، وهذا يتوضأ، وهذا يشرب، وهذا يسقي جمله، وإذا خرجت خطوة واحدة خارج المعسكر لا تجد قطرة واحدة، تجاوزت حد المعسكر، لا زيادة ولا نقصان، ماذا يدلنا هذا؟
يدلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق، يدلنا على أن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم صاحب معجزة، وصاحب دليل، وصاحب برهان، واشهدوا أنه رسول الله.
اسمحوا لي أن أستعرض معكم بعض معجزاته عليه الصلاة والسلام، وهي تقارب الألف معجزة، أختار بعضها هذه الليلة من بين ألف معجزة تدل على أنه صادق من الله مرسل عليه الصلاة والسلام.