ومن أخطائنا أيضاً: التقصير في تكثير سواد المؤمنين.
الدين مبني على مراغمة أهل الباطل، وهذه الكلمة لـ ابن القيم في مدارج السالكين، فينبغي لنا أن نظهر الإسلام قوياً في اجتماعاتنا وفي لقاءاتنا، وفي محاضراتنا، وقد مشى أبو دجانة في أحد مشية الخيلاء أمام الكفار، والخيلاء محرمة إلا في مثل ذاك الموطن، فقال صلى الله عليه وسلم: {إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن}.
فعلينا أن نكثر سواد الأخيار والمؤمنين، في مثل اللقاءات والدروس والمحاضرات، ونحشد حشداً هائلاً في الحضور، حتى نظهر هذا الدين بمظهر القوة والتعاون، فالعيد جماعة، والجمعة جماعة، والاستسقاء، وصلاة الكسوف، والأفراح الإيمانية، وكذلك المحاضرات والدروس، بعضهم يذكر أنه لا يستفيد من المتكلم، نعم قد يكون المتكلم مفضولاً وأنت أفضل منه، لكنك تحضر لتكثير سواد المؤمنين، ولإظهار القوة والكثرة والعدد، لأن هذا مقصود، والمرتدون والمارقون والمرتزقة يزعجهم تجمع المؤمنين.
يزيد يغض الطرف دوني كأن ما زوى بين عينيه عليّ المحاجم
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم
إن إرغام هؤلاء مطلب شرعي لنا، ونحن نريد أن نغيظ هؤلاء المارقين المرتدين، الذين يفرحون بتجمعات أهل الباطل، ويحشدون حشودهم من أجل الباطل.
وأنا في هذا المكان أدعو العلماء والقضاة وكتاب العدل والمشايخ وأساتذة الجامعات والأدباء والمربين، أن يحضروا المحاضرات، وماذا عليهم لو حضروا، وقد حضر من هو أفضل منهم عند كثير من الدعاة ممن هو أقل منهم علماً وأدنى منهم شأناً، وقد قال ابن القيم في بدائع الفوائد: إن سليمان عليه السلام على جلالته استمع إلى الهدهد، لما قال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] فحق لهم أن يحضروا، وأن يشاركوا وأن ينصروا هذا الدين بالحضور.
وإن المحاضر يفرح ويثلج صدره، ويتشجع إذا رأى المشايخ والقمم العلمية والدعاة والجهابذة أمامه.
ثم إن الشباب يرون أن مشايخهم قد حضروا وأثروا الساحة بالحضور، ودخلوا بعلمهم وبحكمتهم واتزانهم، وقادوا الركب إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا مطلب، ونحن نغفل عنه كثيراً، لقد تخلى بعض الدعاة عن المشاركة في الندوات والمحاضرات، لأن الجمع خذلهم.
حتى أصبحنا نرى أنه يجب علينا أن نحشد الناس حشداً وأن نحضرهم لهؤلاء حتى تقوم دعائم هذا الدين، وسبحان الله الذي جمع بعض الوجوه في الشر ولم يجمعها للخير!
رأى عمر رضي الله عنه وأرضاه سارقاً يقام عليه الحد ووراءه جماعة من الناس، فحثا في وجوههم التراب، وقال: قبح الله هذه الوجوه، التي لا ترى إلا في الشر، فكثير من الوجوه لا ترى إلا في الشر أو في الطوارئ التي تحدث ولا مصلحة من ورائها، أما أهل الخير فقليل، وأنا أعرف أن الحضور كثير، لكن بالنسبة لمن يحضر في بعض أماكن اللهو واللغو والعبث هم قليل، فهناك ألوف مؤلفة إن حضر هنا ستة آلاف، ففي المدرجات ستون ألفاً وأكثر، فجزى الله خيراً من كثر سوادالمؤمنين وحشره الله في زمرة المؤمنين.