أيضاً أيها الإخوة: من أخطائنا: ضيق النظرة الدعوية، أو تحجيمها في أسلوب واحد فحسب، قال محمد أحمد الراشد في المنطلق: علماء السلف علماء عامة، وأنا أعجبت بهذه الكلمة، وصدق فيما قال، فعلماء السلف علماء عامة، أحمد، العز بن عبد السلام، مالك، الشافعي، ابن تيمية، ابن القيم، كانوا علماء عامة، تجدهم في المساجد، في الشوارع، في الحوانيت، يخالطون العامة، أما تحجيم الدعوة في أمر خاص أو في جزئية بسيطة سهلة، فهذا ليس من مسلك أهل السنة والجماعة، المجتمع شرائح وطبقات وفئات، ولكل أساليبه.
ولا بد أن نوفي هذه الجوانب حقها، والله سبحانه وتعالى أعطى الناس مواهب بحيث أنه يمكن في مجموعهم أن يقوموا بشأن الدين، لكن لا تعطى المواهب لرجل واحد، فلا نستطيع أن نقول: هذا الرجل يكون هو الخطيب والمحاضر والمفتي والشاعر والمتكلم، فهذا ما لا نستطيع أن نقوله.
وأنا أعرف أن كثيراً من الإخوة ومن الشباب يعتذر عن عدم مشاركته في الدعوة بأنه لا يستطيع الخطابة أو إلقاء المحاضرات، أو المشاركة في الندوات، وليست الدعوة منحصرة في هذه الجوانب، بل الدعوة تخطيط وتنسيق وإرادة وإدارة، ومشاركة بالمال وبالدعاء، ولكن لا تنصرون إلا بضعفائكم، بدعائهم وباستغفارهم وبصلواتهم لكم.
فأنا أدعو كل مسلم أن يوسع نظره في مسألة مجال الدعوة، وطرق الدعوة وأساليب الدعوة، وأن يعلم أنه سوف يستطيع أن يقدم شيئاً لهذا الدين، فأنت أوتيت مثلاً موهبة في التفسير، وهذا موهبة في الحديث، وذاك في الأدب، وهذا في المال، وهذا في الجسم، فإذا اجتمعنا جميعاً رفعنا راية هذا الدين، بإذن الله سبحانه وتعالى.
أيضاً من الأخطاء: تضخيم بعض جوانب الخير على حساب جانب منها، فإن بعض أهل الطموح إذا عشق جانباً من جوانب الخير كالجهاد والعلم، استولى عليه هذا الجانب، حتى جعل الإسلام في هذا الجانب، فهذه شريحة من الشباب، يدندنون بالجهاد صباح مساء، حتى تركوا طلب العلم من أجل الجهاد، بل حملهم ذلك على تنقص حلقات الدروس، وقالوا: لا يفتي القاعدون، ودروس القاعدين ليس فيها بركة، كيف تدرسون الأمة وأنفها في التراب؟! ولقد أصبنا بالذل منذ أن سقطت الأندلس، لماذا هذا التوسع في هذا الجانب على حساب الجانب الآخر؟! ويقابله آخر يطلب العلم، فيجعل العلم ليله ونهاره حتى يضر بمسألة الجهاد، والإسلام كل متكامل، ولا بد أن نعطي كل مسألة حجمها، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس لكل حالة لبوسها، فهو خطيب على المنبر، ومفتٍ في الحلقة، ومدرس للجيل، ومجاهد في الجبهة، فلا بد أن نعطي كل مسألة حجمها، على أنه قد يفتح لبعض الناس أبواب من الخير لا تفتح للآخرين، وإن الله قد يفتح لك في الأوراد والذكر، ويفتح على غيرك في أبواب الجهاد، والثالث في العلم، والرابع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148].