من أخطائنا أيضاً: عدم عذر المجتهد المخطئ:
الإجماع حجة قاطعة، والخلاف رحمة واسعة، قاله ابن تيمية في مختصر الفتاوى أما حديث: {اختلاف أمتي رحمة} فهو ضعيف، لكن الاختلاف قديم، والله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين، حتى في أمزجتهم وتفكيرهم الشخصي.
أفراد الأسرة الواحدة لا يتفقون على وجبة الغداء أو العشاء، ربما لا يجمعون إلا في النادر، فمنهم من يريد وجبة كذا، والآخر يقول: كذا.
إذاً فالله ركب الناس على أن يختلفوا في جزئيات من جزئيات الحياة، وكذلك الشريعة، وللعلماء عذر في اختلافهم، وقد كتب ابن تيمية رحمه الله كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام، بين فيه عذر المختلفين لماذا اختلفوا، لكن يرى البعض منا -مثلي أنا- أنه لا بد أن يتفق العلماء على كل جزئية، وهذا متعسر ومتعذر.
إن أمراً لم يجمع عليه السلف الصالح لا يلزم الخلف أن يجمعوا عليه، فيجوز أن نختلف في فرعيات الشريعة وفي أساليب الدعوة، وفي الجزئيات، وفي مسائل غير مجمع عليها في الصدر الأول، فما هو العيب في أن نختلف؟ مثل زكاة الحلي، كثير منا ثرب على غيره أنه لا يقول بزكاة الحلي، والآخرون يقولون بالزكاة، والأمر فيه سعة، واختلف فيه الصحابة، والأمر واسع، وأنت قل برأيك ولا تعنف ولا تثرب على الآخر.
أما متى يكون المخالف مبتدعاً عند أهل السنة؟
الذي أراه ضابطاً هو ما ذكره ابن تيمية في الرسائل والمسائل بقوله: من خالف إجماع الصحابة فهو مبتدع، هذا الضابط لكم وأطلب منكم أن تبحثوا في هذه المسألة فإنها تحتاج إلى تحرير.
كيف هذا؟! لأن الأشعري -مثلاً- يقول: لماذا جعلتموني مبتدعاً، لأني أقول يراد بضحك الله عز وجل الثواب، يضحك ربنا: يثيب، مع العلم أنكم عذرتم الأحناف لما وضع الواحد منهم يده اليمنى على اليسرى تحت السرة، وقلتم: مجتهد مخطئ له أجر، فلماذا لا أكون مثله مجتهداً ولي أجر.
فنقول للأشعري: أنت خالفت إجماع الصحابة، أما الحنفي في هذه المسألة، فلم يخالف إجماع الصحابة رضوان الله عليهم، وعدم عذر المجتهد المخطئ في أمرين:
الأول: في نقض الإجماع، فمن ينقض الإجماع لا نرحب به، ولا بد أن نرد عليه، ونعتبره مبتدعاً.
الثاني: من يتتبع الرخص، كأن يأتي إلى شواذ المذاهب السهلة في كل مذهب ويجمعها، كما يفعل العصرانيون في كثير من كتبهم التي طرحوها في الساحة، بل شافهنا بعضهم فقال: إذا رأيتُ في المسألة سبعة أقوال، فإني أختار أسهلها وأيسرها، وهذا من تتبع الرخص، ولا خير فيه، وهو مردود على صاحبه ومذموم.