البكاء على الميت عندنا بكاء رحمة لا نياحة وتسخط على القضاء والقدر، نبكي إذا مات الميت كما بكى صلى الله عليه وسلم على سعد وابنه إبراهيم وقال: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}.
وأقف وقفة مع استنتاجات وألمعية ابن تيمية رحمه الله، قيل له: الفضيل بن عياض ضحك لما مات ابنه، والرسول صلى الله عليه وسلم بكى لما مات ابنه، فأي الحالين أفضل؟ وهذا السؤال الأصل أنه لا يعرض، لكن لا بد أن يجيب العالم على أي سؤال يحصل.
والفضيل بن عياض كان عنده ابن اسمه علي، وهو ولي من أولياء الله، فهو يشبه أباه، بل إن بعضهم قال: أزهد من أبيه، وكان زاهداً خاشعاً لله مخبتاً، وكان الفضيل بن عياض يقول للإمام في مكة: لا تقرأ من الزواجر؛ أخاف أن يموت ابني، ووقع ما كان يحذر.
فالإمام في يوم من الأيام -وهذه القصة ثابتة- صلى في الفجر وقرأ: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً} الصافات:1] ثم استمر الإمام يقرأ إلى حين قال: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26] وهذا الخطاب لأهل النار وقفوهم: اسألوهم عن رسلنا الذين أرسلناهم، اسألوهم عن الحياة، اسألوهم عما أعطينا من النعم {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:25] أين آلهتكم؟ أين أحزابكم؟ {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:26] أي: لا نصرة، فسمعها علي بن الفضيل فوقع مغشياً عليه، فرفع إلى البيت فإذا هو قد مات، فأتى الفضيل ولما حضر إلى المقبرة ضحك رضاً بأمر الله.
قال ابن تيمية: حال الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم وأكمل وأرفع من حال الفضيل فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الرضا والرحمة، والفضيل ما استطاع أن يأتي إلا بالرضا، ولم يستطع أن يأتي بالرحمة.
سدد الله ابن تيمية وغفر له.
فالرسول صلى الله عليه وسلم رضي فقال: {ولا نقول إلا ما يرضي ربنا} ورحم فبكى؛ فهي رحمة من الله في الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالبكاء غير التسخط والنياحة؛ لأن بعض الإخوة الشباب إذا سمعوا شخصاً يبكي على ميت، قالوا: حرام لا يجوز.
فهذا خطأ، بل يبكي وتدمع العين لكن لا تنح، ولا تلطم وجهاً ولا تشق ثوباً ولا تنتف شعراً.