أتى وفد من بلاد فارس بجبة لكسرى من حرير مخلوطة بألوان -وتصور ملك فارس ماذا يلبس- فلما رآها الصحابة تبرق مع الشمس، وكادت تعمي أبصارهم، فأخذوا يمسحونها بأيديهم ويلمسونها بأصابعهم، فيقول عليه الصلاة والسلام: {أتعجبون من هذه؟ والذي نفسي بيده! لمناديل سعد بن معاذ خير من هذه في الجنة} المناديل فقط -مناديل العرق- فكيف النعيم؟ كيف الدور؟ كيف القصور؟ كيف المنقلب؟ كيف النظر إلى وجه الباري سبحانه وتعالى؟ كيف الخيام؟ كيف الحور العين والطعام والشراب واللباس والعز والمجد والملك الكبير؟
المناديل فقط خير من جبة كسرى التي شريت بالآلاف المؤلفة من الدنانير.
فهذا شيء من طرف النعيم في الجنة.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ} كل نائحة تبالغ إلا من تبكي على سعد بن معاذ فهي صادقة، أمه أرسلت دموعها، وشيعته وقالت:
ويل ام سعد سعداً كرامة وحدا
وسؤدداً ومجدا وفارساً معدا
سد به مسدا يقدمها ما قدا
هذه بعض الكلمات قالتها تشييعاًِ على عادة العرب في رثاء أبنائهم، وجزاها الله عنه خيراً، وجزاها عنا خيراً أيضاً، فهي التي بإذن الله أوجدت لنا هذا البطل الذي صار شامة نفتخر به أمام الأمم هو وأمثاله من المهاجرين والأنصار، بنوا لنا مجداً رضوان الله عليهم لما صدقوا مع الله، فرفع قدرهم ومنزلتهم، وحكم جهادهم سبحانه، وعزَّ بهم دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.