دور سعد بن معاذ في معركة الخندق

استمر سعد رضي الله عنه، وجاءت معركة الخندق، وحصن الرسول صلى الله عليه وسلم النساء والأطفال، وحفر الخندق حول المدينة وتألبت قبائل العرب واليهود والمنافقين ضد الرسول صلى الله عليه وسلم وسموا الأحزاب، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم فلَّ حدهم، وشتت شملهم، وأخزى كيدهم.

فخرج سعد وأمه رضي الله عنها وأرضاها تنظر إليه، وهي تلقي عليه نظرة من الحصن، واسمها سبيكة بنت رافع، تتبسم له ويتبسم لها، فتوصيه، وتقول: لو سددت هذا المكان، يعني: درعه كان مفتوحاً من جهة، لبس الدرع أخذاً بالتوكل؛ لكن هي الأم تبقى الأم، فالأم هي الحنونة الرءوفة، والأم أنت ابنها الصغير ولو كان عمرك سبعين سنة، فتنظر برحمة تقول: لو سترت بالدرع، فيلتفت إليها ويقول:

لبث قليلاً يشهد الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل

يقول: أنا أطلب الموت في سبيل الله، أرجوكم دلوني على الموت، لا أريد الحياة؛ لأن الذي يريد الحياة والبقاء للأكل والشرب وليس عنده رسالة ولا مبدأ كالبهيمة، قال تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] والله يقول عن اليهود: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] يعيش حياة الذل والمهانة.

ووصل وقاتل رضي الله عنه، وأتاه رجل مشرك رعديد، فأطلق سهماً وبقدرة القادر يترك السهم كل الجسم المغطى، ويأتي في هذه البقعة الصغيرة التي كانت أمه تخافها ولذلك لا تأخذ حرزاً غير حرز الله، ولا حصناً غير حصن الله، ولا كفاية غير كفاية الله.

علي بن أبي طالب يوم الجمل قالوا: البس درعاً فضفاضاً، قال: أتظنون أن الدرع يمنعني من الموت فهذا درعكم، فخلعه رضي الله عنه، وخرج بالثياب، ثم قال:

أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر

يوم لا قدر لا أرهبه وإذا ما جاء لا يغني الحذر

يقول: أنتم تظنون أن هذا الدرع يحميني، إن الحماية من عند الواحد الأحد، والحفظ من عند الله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].

وأنتم تعلمون أن علياً لما جلس يقضي بين خصمين وكان متوكلاً، قالوا: الجدار يريد أن ينقض عليك، جدار هائل يريد أن يسجد على علي، قال علي: حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما انتهى من الخصومة وقام هو والخصوم وابتعدوا سقط الجدار مكانهم.

أتى سعد رضي الله عنه سهم، يقول سعد: من الذي أرسل السهم؟ يريد الاسم -البطاقة الشخصية- قال: أنا ابن عرقة، قال: عرق الله وجهك في النار، لأنه عدو لله، وكان الجرح في الأكحل، وكأن هذا الجرح في قلوب المسلمين ليس في سعد، فأخذه صلى الله عليه وسلم وضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب عليه الصلاة والسلام، وما أرحمه بالأمة! كان إذا أراد أن يصلي صلى الله عليه وسلم مر بـ سعد وسلم عليه، وإذا انتهى من الصلاة مر بـ سعد وسلم عليه، من هو هذا؟ إنه سعد بن معاذ، صاحب المواقف المشهودة، أننساه؟ لا.

يمرض ويحترم ويحتفى به.

تستمر الأحداث مع سعد رضي الله عنه وأرضاه وهو في الخيمة يتحرى موعود الله، يطلب الشهادة، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من طلب الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} يتمنى متى يموت شهيداً في سبيل الله، وإنها لأمنية غالية أسأل الله أن يحققها لي ولكم في سبيله.

انتهى الأحزاب وفروا، وبقي أعداء الله إخوان القردة والخنازير الذين نقضوا العهد، ولا عهد لهم ولا ميثاق ولا كلمة أصلاً.

نقضوا الميثاق ونقضوا الوثيقة التي كتبت بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وظن إخوان القردة والخنازير أن الأحزاب سوف تنتصر على الرسول صلى الله عليه وسلم فمزقوها، وانظر إلى الخذلان، قالوا: ليس بيننا وبين محمد عقد ولا عهد، ومزقوا الوثيقة، وهذا كلام فارغ، وهم قد وقعوا عليها، وأشهدوا عليها، وأول ما واثقوا عليه محمداً صلى الله عليه وسلم: ألا يقاتلوه وأن يدافعوا عن المدينة، وفي الأخير كذبوا وخانوا وغدروا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015