الحوار في الشعر

فيا إخوتي في الله! لا زال الصراع بين التقي والشقي، ولا زالت المناظرة حية بين هؤلاء وهؤلاء، وبين أناس أعمى الله بصائرهم وأبصارهم فلم يعرفوا الطريق، فهم أشقياء دائماً، أحدهم يقول من شقاوته وهو إيليا أبو ماضي:

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

إنه ملحد زنديق، لم يعرف الله، يقول: جئت من بطن أمي، وخرجت إلى الحياة، وأكلت خبزاً وفاكهة وتفاحاً وبرتقالاً.

جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!!

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!!

أي: رأيت الناس يمشون فمشيت، ورأيتهم يخرجون فخرجت، لبسوا الثياب فلبست الثياب، ركبوا السيارات فركبت السيارة، وهذا حمار؛ لأن الذي لا يفهم لماذا خلق فهو حمار، قال:

جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!!

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!!

وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!!

كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!!

ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!!

ما الفرق بين هذا وبين أحد الوعاظ الذي يقول لأحد خلفاء بني العباس، يعظه ويذكره لقاء الله، فيقول لخليفة الدنيا:

ستنقلك المنايا عن ديارك ويبدلك البِلى داراً بدارك

فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك

فيغمى على الخليفة من كثرة البكاء حتى يرش بالماء، أي فرق بين هذا النتاج وهذا النتاج؟!

أو المؤمن الآخر الذي يقول:

ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حيٍ

ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيّ

إي والله، هذا حوار يستمر أبداً بين الأديب والأديب، بين الشاعر والشاعر، بين العالم والعالم، بين الزعيم والزعيم، بين أديب مؤمن، وأديب فاجر متهتك، بين عالم مؤمن مخلص، وبين عالم ملحد، بين شاعر عرف الله، وشاعر تنكر لمبادئه وأصالته وإيمانه، فهو حوار بين تقي وشقي، فأين مقامنا من هذا الحوار؟ وأين موقفنا يا عباد الله؟ وأين هو صفنا؟! {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19].

اللهم فإذا قسمت الناس فريقين، ووزعتهم فرقتين وطائفتين، فاجعلنا في السعداء.

اللهم فإذا وزعت الناس على واديين وعلى منزلين، وذي شعبين فاجعلنا في شعب أهل الإخلاص والصدق يا رب العالمين!

اللهم فإذا رضيت على قوم فاجعلنا معهم، وأبعدنا عن أهل الغضب والسخط يا رب العالمين!

اللهم اجعلنا في موكب إبراهيم، ونوح، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم ولا تجعلنا مع القوم الظالمين النمرود، وفرعون، ومسيلمة، والأسود العنسي، وأمثالهم من أعداء الله.

اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين!

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015