الحمد لله، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته.
في هذه الليلة المباركة نستمع إلى الإمام البخاري في كتاب الأطعمة؛ وهو كتاب عظيم، وكتاب مهم لكل مسلم يريد الله والدار الآخرة، وقبل أن نؤصل أصولاً، ونقعد قواعد في هذا الباب، نحب أن نستمع أنا وإياكم إلى أحاديث من صحيح البخاري ثم نبدأ بالشرح.
يقول رحمه الله تعالى بعدما أن ذكر السند: وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: {غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستاً كنا نأكل معه الجراد}.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: {نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً ونحن في المدينة فأكلناه}.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: {رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل دجاجاً}.
وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع}.
هذه الأحاديث هي التي صحت عند البخاري في كتاب الأطعمة، وإلا فالأحاديث التي صحت في هذا الكتاب كثيرة جداً، ونحن نستعرضها مع كثير من الآيات في باب الأطعمة، ولا بد للمسلم أن يعرف هذه الأحكام، ماذا يأكل من الأطعمة؟ ما هي الأطعمة المحرمة والمباحة والمكروهة؟ وليكن في ذلك ثمان قواعد لا بد أن تعرف:
الأولى: المحرمات التي نص الله عليها في كتابه، أو نص عليها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الطاهرة.
الثانية: المباحات التي نص عليها الله عز وجل في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: المكروهات من الأطعمة.
الرابعة: المضطر.
متى يباح للمضطر أن يأكل غير باغٍ ولا عادٍ؟ وما معنى (غير باغٍ ولا عاد)؟
الخامسة: ذوات السموم، وحكم أكلها، وتناول شيء منها.
السادسة: ما فيه ضرر على الجسم كالحجارة والتراب والطين والفحم.
السابعة: الحيوان البحري، وموقفنا من صيد البحر، وحيوانات البحر، وما يعيش في البحر.
الثامنة: حكم اللحوم المستوردة؛ المعلبة وما أتت طازجة وغير ذلك.
هذه ثمان مسائل عليها مدار الأطعمة، وما يتحدث أهل العلم في مسألة ألا وتدخل ضمناً تحت قاعدة من هذه القواعد، ولا بد من تقعيد هذا الباب وغيره؛ لأن هناك شتات بين المسائل، سوف نستمع إليها، وإذا لم نضبطها بقواعد الأصول؛ فسوف تتسرب علينا ولا يكون عندنا حبل يجر لنا تلك المسائل، ويقيد لنا تلك الشوارد.
اعلموا -بارك الله فيكم- أن هذا الباب من الأطعمة اختلف فيه أهل العلم اختلافاً ظاهراً، ولذلك يقول ابن تيمية في المجلد الواحد والعشرين من فتاويه: تساهل أهل المدينة -الإمام مالك ومن معه من علماء المدينة - في الأطعمة حتى توقف الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه في الكلب أهو حلال أم حرام؟ ومنهم من قال: يؤكل الثعلب وهي رواية للشافعي ذكرها صاحب فقه السنة، وتساهل أهل العراق وخاصة أهل الكوفة بالأشربة حتى أباحوا شرب النبيذ الذي يبقى لثلاث ليال، قال ابن تيمية: وتوسط أهل الحديث ومنهم الإمام أحمد فأخذ بالأشربة برأي أهل المدينة، وأخذ في الأطعمة برأي أهل الكوفة.
فلنستمع الآن تفاصيل هذه المسائل: