الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم شكراً جزيلاً، وأشكر القائمين على هذا المعسكر، وأشكر القادة والأعضاء والحضور، وليس عندي هذه الليلة ذهب ولا فضة، ولا خيل ولا مال، ولكن عندي حب كالجبال في الله الواحد ذي الجلال، وعندي أشواق ونطق وكلام، وأنا الليلة أقول لكم كما قال أبو الطيب المتنبي:
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
واجز الكرام الألى أهدوا محبتهم حباً وبادلهم فالحب أمثال
وأشكر أبناء الجزيرة الذين اجتمعوا من كل مكان، من الشمال والجنوب من الشرق والوسط والغرب، أتوا هنا تحت مظلة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أبناء الجزيرة لا تعصباً ولكن حقيقة، أبناء الجزيرة لا افتخاراً ولكن اعترافاً، أبناء الجزيرة لا تبجحاً ولكن امتثالاً، أبناء الجزيرة التي تحطم على صخرتها رءوس الملاحدة، وجماجم الزنادقة.
أنا الجزيرة في عيني عباقرة الفجر والفهم والتاريخ والصحف
أنا الجزيرة بيت الله قبلتها وفي ربا عرفات دهرنا يقف
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا
هذه هي الجزيرة، ليست بالنخل ولا بالتراب، الجزيرة ليست بالماء ولا بالهواء، الجزيرة ليست بالجبال ولا بالسهول، الجزيرة بالرسالة الخالدة التي هبطت عليها، نزل جبريل من السماء فما وقع في أرض إلا في الجزيرة، وهبط الوحي نيراً من عند الواحد الأحد، من عند الرحمن، من عند الذي فوق العرش استوى، فخاطب الجزيرة، وأتى جبريل كالنجم إذا تلألأ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4].
فخاطب الجزيرة، غار حراء في الجزيرة، والكعبة في الجزيرة، وزمزم في الجزيرة، ومحمد عليه الصلاة والسلام يرقد في الجزيرة، وكذلك السادة الأخيار أبو بكر، وعمر، وعثمان.
فيا أبناء سعد! ويا أبناء القعقاع! ويا أبناء المثنى! ماذا ينتظر العالم من الجزيرة؟ أينتظر منها البترول فقط؟ أو التمر فحسب؟ أو التراب أو المعادن؟ لا.
إنه ينتظر شيئاً أعظم وأغلى، وأجل وأسعد ينتظر لا إله إلا الله محمداً رسول الله، ينتظر الإيمان ينتظر أن نُسلم إليه حياة القلوب ينتظر أن نهدي إليه النور.
أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه
قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه
محمد إقبال شاعر الـ باكستان له قصيدة ينادي بها محمداً عليه الصلاة والسلام، ولكن للأسف! لم تترجم في قصيدة وإنما ترجمت نثراً، يقول في قصيدة له أخرى:
إن كان لي نغم الهنود ودنهم لكن ذاك الدن من عدنان
يقول: يا محمد! يا رسول الله! إن كنت أتكلم أنا بالأردو وبالهندية، لكن قلبي عربي عدناني فيه القرآن، إن كنت لا أجيد أن أتلفظ بألفاظك، فأنا أعيش مشاعرك وأفكارك، ودمي دمك، هذا معنى الكلام.
لكن في قصيدته الأخرى التي ترجمت إلى نثر يقول: يا رسول الله! أنا زرتك البارحة، ونظرت إلى أبناء الجزيرة الذين رفعوا معالم التوحيد في الأرض، فما وجدتهم، أين هم يا رسول الله؟
والمعنى: أين أحفاد طلحة والزبير وسعد.
حضر مع الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع مائة وأربعة عشر ألف مسلم، محرمين مهللين، مكبرين ساجدين، مات ثلاثة أرباعهم في أنحاء الكرة الأرضية، منهم من مات في قندهار، ومنهم في الهند، ومنهم في السند، ومنهم من توزعت بهم الفيافي يرفعون لا إله إلا الله.