رابعاً: أن تحرص على النوافل ما أقدرك الله على ذلك.
فما يبقى لك في القبر إلا هذه النوافل، يقول عليه الصلاة والسلام وقد قال له أحد الصحابة: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة؟ قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} ويقول عليه الصلاة والسلام: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}.
رأينا بعض الناس من أمثالكم الأخيار الأبرار وهم في القطاعات الإقليمية، كأنهم يعيشون في عصر الصحابة، أحدهم له وردٌ في المصحف (حزب) لا بد أن يقرأه في اليوم، وله تهليلات وتكبيرات، ويحافظ على السنن الرواتب، وقد تشرف بحمل سنة محمد صلى الله عليه وسلم في مظهره وشكله، فأحبته القلوب، ودعا له ولاة الأمر وأحبوه؛ لأن من أحبه الله أحبه الناس، وفي الصحيح: {إذا أحب الله عبداً قال لجبريل: إني أحب فلاناً، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فيبغضه، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضونه، ثم يوضع له البغض في الأرض} والعياذ بالله! القبول من الواحد الأحد، والقلوب بيد الله، ويوم تعمر ما بينك وبين الله يعمر الله ما بينك وبين الناس:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضابُ
إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ
والناس شهداء الله في أرضه، وأهل الحي أو القرية التي تسكن فيها يستشهدهم الله يوم العرض الأكبر عليك، ويسألهم عنك، وقد ورد في الصحيح {كان عليه الصلاة والسلام جالساً مع الصحابة، فمروا بجنازة من عنده، وإذا الناس يثنون على صاحب الجنازة خيراً -يصفونه بالمحافظة على الصلوات، ويصفونه ببر الوالدين، وبصلة الرحم، وبذكر الله، وبالصدق، وبالوفاء- قال عليه الصلاة والسلام: وجبت وجبت، ومروا برجلٍ شقيٍ -والعياذ بالله! - بعض الناس يتحمل الشقاء في الدنيا والآخرة، شقي في عمله، وفي مكتبه، وفي الشارع، والبيت، شقيٌ أينما ذهب، قال الناس: أراحنا الله منه، تارك الصلاة، عدو الدين، الفاجر، المعرض- فأثنوا عليه شراً فقال عليه الصلاة والسلام: وجبت وجبت وجبت، قالوا: يا رسول الله! ما قولك وجبت في الأولى ووجبت في الثانية؟ قال: أما الأول فأثنيتم عليه خيراً فقلت: وجبت له الجنة، وأما الثاني أثنيتم عليه شراً فقلت: وجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه}.
فاحذر -يا أيها الأخ الكريم! - أن تنالك الألسنة، أو أن تشهد عليك يوم العرض الأكبر، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] يستشهد الله أهل حيك؛ هل كان يصلي في المسجد؟ فيقولون: لا.
هل كان وفياً؟ فيقولون: لا.
هل كان صادقاً؟ لا.
فماذا نقول لله يوم القيامة؟! وبماذا نعتذر؟! أسأل الله لي ولكم الثبات.