اختلال الأمن والاطمئنان

أما أحوالهم فكما رأينا وشاهدنا، مسألة الأمن، هل يعيشون أمناً واستقراراً؟! لأن فروخ العلمانية حدَّثوا عن أمريكا فوصفوها بأنها جنة، وبأنها ديموقراطية، وبأنها أمُّ الحرية، وبأنها أساس العدالة، فهل يعرفون أمناً ورخاءً؟ يقول سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82].

إذاً: لا أمن إلا للمؤمن، أما الكافر فحرام عليه الأمن، وحرامٌ عليه أن يهجع، والله قلوبنا كأننا عقدناها على ورقة، وهو شعور متبادل، فنسأل الناس في بعض الولايات إذا انتقلنا من مكان إلى مكان، فيسألون في كل دقيقة: مَن معك؟ مجتمع خبيث، فيه المجرمون، فيه السكارى، فيه أهل الدعارة، فيه الزنوج الذين تغلي قلوبهم، فيه فرق مبتدعة، فيه أهل الغارات، فيه أهل الأحقاد، فأنت تتوقع كل يوم متى يعتدي عليك، وقد نصحني بعض الشباب -لأنني ذهبت وحدي مرة- أن أترك هذه الغترة؛ لأنها سوف تعرفني عند بعض الناس، فكنت أخلعها أحياناً وأبقى هكذا، ومع ذلك ما اطمأن قلبي: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112].

ركبت من دنفر في كلورادو إلى واشنطن وحدي، فذهب معي بعض الشباب إلى المطار، ولأني لا أجيد اللغة كتبوا في ورقة عنوان السفارة وتليفوناتها في واشنطن، وسوف يستقبلني رجل هناك، والعجيب أن أمريكا هذه التي يعرفها الإخوة قارة، السفر من الولاية إلى الولاية أربع ساعات أو خمس أو ثلاث، مثلما تطير من الرياض إلى الجزائر، فطرت من دنفر إلى واشنطن وحدي، ولما أصبحتُ في الطائرة تأخرَتْ الرحلة ساعة ونصف، وذهب الزملاء، وأتى موزع الخمر، فالخمر يشرب كالبيبسي، وأنا خائف من بعض الصينيين بجانبي والأمريكان أن يسكروا ثم نصير في حَيْص بَيْص، حتى أنني لا أدري ما هي الكلمات التي أتعامل معهم بها، ما هي الكلمات التي يمكن أن أتعامل بها شَفَقَةً وعطفاً حتى يفرج الله هذا الهم، وكنت دائماً أدعو بالأوراد، وصليت وأنا واقف في الطائرة، فكنتُ أنحني، فكان يتضاحك صينيان بجانبي من هذا المنظر العجيب، أنا لم أدرِ أين القبلة، أهي في اليمين أم في اليسار أم هي فوق أم تحت؟ لكن توكلت على الله، وعملت بالحديث؛ فصليت الظهر والعصر جمعاً وقصراً، فكانت الأنظار تلتفت وهم يضحكون بجانبي، لا يدرون ماذا أصاب هذا الإنسان.

ولما مشيتُ كانت التعليمات أنك إذا لم تجد أحداً يستقبلك فانتظر عشر دقائق ولا تتحرك، أو تسأل البوليس، أو تسأل صاحب شركة، فلما نزلنا ما عسى من يستقبلني! فوقفتُ وخلعتُ هذه الغترة والطاقية والتجأت إلى جندي أمريكي، وما قلت له شيئاً، بل أعطيته الورقة، وقلت له: (بْلِيْزْ) خُذْ.

(بْلِيْزْ) إبليس في رءوسهم/

و (وِيْلْكَم) ويلٌ لهم ومن بؤسهم

يقول الشيخ علي الطنطاوي: ما حفظت إلا ثلاث كلمات بالإنجليزية:

(بْلِيْزْ) التي معناها: من فضلك تعني: (إبْلِيْس).

(وِيْلْكَمْ) التي معناها مرحباً تعني: (وَيْلَكُم).

وكلمة ثالثة نسيتُها.

دخلنا في لوس أنجلوس، وهذه أكبر مدن أمريكا وأكثرها سكاناً، سكانها ثلاثة عشر مليوناً، وهي من أكبر مدن العالم، وتطوف كأنك في أمواج من البشر من كل فج، ومع ذلك جلستُ فيها أربعة أيام مع أحزاب وأصحاب يخبروننا كل يوم بشيء، حتى يقول المسلاتي الداعية الليبي الذي يسكن في لوس أنجلوس يقول: أمر عجيب في لوس أنجلوس، قلنا له: ماذا حدث؟ قال: في لوس أنجلوس بـ سان فرانسيسكو، الآن عندهم بند في القانون يجيز أن يتزوج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة، وقد تزوج في سان فرانسيسكو أكثر من أربعين ألف رجل بأربعين ألف رجل، وأكثر من خمسين ألف امرأة بخمسين ألف امرأة، والزلزال وقع في سان فرانسيسكو.

ما وقع للإنسان شيءٌ عجيب! عندهم أفلامٌ، الكلب فيها يجامع المرأة، وهو يُعرض على الناس، وتنتجه شركة إيطالية.

يقول المسلاتي: وبلغ من خوفهم أن الطفل إذا ذهبت أمه لتُداوِم وتؤدي عملها، يأخذ سكيناً ويبقى عند الباب، لا ينام؛ لأنه يتوقع متى يطرق عليه عصابة، وبعض الأمهات ماذا تفعل؟ تأتي الأم فترفع سماعتها دائماً وتتصل بابنها حتى ينتهي الدوام؛ لأنها إن تركت العمل ماتت، وإن واصلت في العمل فابنها ربما يكون ضحية، وبعض الأبناء يقولون: لا نُجيبُ مِن وراء الباب، لنوهم أنه ليس أحدٌ موجوداً، وإذا سأل الطارقُ الطفلَ: هل أبوك موجود؟ قال: نعم.

موجود ولكن في دورة المياه، ليوهم السارق واللص أنه وراءه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015