وحياء المحبة بالنسبة لمحبة المبشر مثل شخص عاقد ينظر إلى زوجته أول مرة، ويجلس معها بعد العقد، فهي زوجته ورغم هذا تلقى وجهه أحمر ورجليه تضرب في بعضها وينسى الكلام، فتسأله: ما اسمك؟ فيخرج البطاقة وينظر، وهي زوجته! فهذا يسمى حياء المحبة.
يقول الشاعر: فما هي إلا أن أراها فجاءة فأبهت حتى ما أكاد أجيب وإني لتعروني لذكراك هزة لها بين جلدي والعظام دبيب أعاذنا الله عز وجل وإياكم من المحبة المحرمة.
والمحبة في الله عز وجل لون آخر يليق بقدر الله عز وجل، فمن علم أن الله قريب منه يستحيي منه أن يراه ساكناً إلى خلقه، فيبغض إليه كثرة المخالطة للخلق ويحبب إليه الخلوة بالله تبارك وتعالى وألذ الأوقات عنده أوقات المناجاة وساعات التنزل الإلهي، وقد خلا كل حبيب بحبيبه، وغلقت الملوك أبوابها، وباب ملك الملوك مفتوح لمن دعاه، فمن ذا الذي أملك لنائبة فقطعت به دونها؟ أم من ذا الذي رجاك لعظيم جرمه فلم تغفر له؟ يا مؤنس الأبرار في خلواتهم يا خير من حطت به النزال قيل لعابد: ما أطيب شيء؟ قال: سرداب أخلو به فيه، وكان ابن تيمية رجلاً ربانياً من هذا الطراز، فكان إذا صلى الفجر خرج إلى الصحراء، ويقول: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك القلب بالسر خاليا وأحلى أوقات المناجاة جوف الليل الآخر، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مؤمن يسأل الله عز وجل شيئاً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك في كل ليلة) فبعد ما ينام الخليون يقوم العابدون إلى محاريبهم تتقاطر دموعهم على خدودهم، ويشرف الجليل من السماء ويقول كما في الأثر عن الفضيل بن عياض: يا جبريل! بعيني من تلذذ بكلامي، واستراح لذكري، لم لا تنادي فيهم يا جبريل! ما هذا البكاء؟ هل رأيتم حبيباً يعذب أحبابه، أم كيف يجمل بي أن آخذ قوماً إذا جنّهم الليل خلوا بمناجاتي؟ والله لأكشفن لهم عن وجهي وأنظر إليهم يوم القيامة.
فإذا علمت بقرب الله عز وجل منك فيدفعك هذا القرب إلى الاستيحاش من البعيد عنك، ويبغض إليك كثرة المخالطة للخلق، ويحبب إليك الخلوة والمناجاة بمولاك تبارك وتعالى.