الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
وبعد: في دعوة إبراهيم لأبيه دروس: الدرس الأول: البدء بالأقارب عند الدعوة إلى الله.
الدرس الثاني: التلطف في الدعوة إلى الله عز وجل.
الدرس الثالث: مقابلة الإساءة بالحسنى.
الدرس الرابع والأخير: أنه لا قيمة للأرحام يوم العرض على الله عز وجل، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101].
وفي معنى الحديث: أن إبراهيم عليه السلام يلاقي أباه آزر يوم القيامة وجهاً لوجه، فيقول له: يا أبت! ألم أقل لك: اتبعني وأطعني، فيقول: يا إبراهيم! أما اليوم فأتبعك؛ لأنه عاين ورأى، فيقول إبراهيم لربه: يا رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]، وهذا أبي! فيقول الله: يا إبراهيم! إن الجنة حرام على الكافرين، ولا شفاعة للمشركين، فينظر إبراهيم تحت قدمه فيرى أباه قد تحول إلى حيوان -ضبع- يتلطخ بدمه.
يقول ابن حجر: ومسخ آزر من صورة بشرية إلى صورة حيوانية لسببين: السبب الأول: رحمة بإبراهيم؛ لأن آزر إذا دخل النار على صفته التي يعرفها إبراهيم تأذى إبراهيم كلما نظر جهة النار ورأى أباه، فأراد الله أن يرحم إبراهيم بمسخ صورة أبيه.
السبب الثاني: أن آزر رأى الآيات الدالة على وحدانية الله، وأقيمت عليه الحجة فأبى إلا الشرك، ولذلك فالجزاء من جنس العمل، فمسخ إلى ضبع غبي؛ لأنه اتصف بالغباء، ورفض دعوة التوحيد، ومن ثم مسخ على هذه الهيئة.
أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا أنساب يوم العرض على الله إلا التقوى والعمل الصالح، فلا تقل: أنا من قبيلة فلان، أو من أهل البيت، بل لا بد أن تكون على الجادة.
وإني أعجب من أقوام يأتون بشجرة العائلة ينتهي فيها نسبهم إلى السلالة الطاهرة، ولم يقدموا شيئاً، وقد قال الله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:197].