بعض الذين لا يفقهون في دين رب العالمين يتطاولون على إبراهيم بسوء فهم وعدم قصد أو بعمد، فهم يقولون: إن إبراهيم كان يعبد الكواكب، ويستدلون بقول الله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام:76]، وهم لا يفهمون أن قول إبراهيم: (هذا ربي) للتهكم ولتوبيخ من يعبد الكواكب من دون الله عز وجل، فما كان إبراهيم مشركاً يوماً ما، وكيف يكون مشركاً وهو خليل الرحمن؟! ونحن في كل صباح نعلنها: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين.
يقول الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: وكلمة: (وما كان من المشركين) تنصرف إلى الماضي والحاضر والمستقبل، فلا يفهم أحد أن إبراهيم كان يعبد النجوم، حاشاه.
وقد قال تعالى في ختام قصة إبراهيم في سورة الأنعام: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:78 - 79]، وقال هنا: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120].
وإذا كنا ننزه الأنبياء عن كبائر الذنوب قبل البعثة وبعدها فمن باب أولى أن ننزه خليل الرحمن عن الشرك، كما قال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120].
ثم قال تعالى: {شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} [النحل:121]، أي: اصطفاه، {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل:121 - 122]، وحسنة الدنيا هي الذكر الجميل بعد موته، وهذا مطلب الصالحين، فبعد أن يموت الإنسان فإما أن يذكره الناس بخير، وإما أن يذكروه بشر، فإبراهيم إذا ذكرناه قلنا: عليه السلام، وإذا ذكرنا خالد بن الوليد قلنا: رضي الله عنه، وإذا ذكرنا الوليد بن المغيرة قلنا: عليه لعنة الله، فالابن نترضى عنه ووالده نلعنه، وأنت إن أردت أن تخلد ذكرك في الحياة فاترك صدقة جارية أو علماً ينتفع به أو ولداً صالحاً يدعو لك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فالعلماء أعمالهم لا تنقطع بعد موتهم، ونحن إذا ذكرنا -مثلاً- البخاري ومسلماً ترضينا عليهما ودعونا لهما بالرحمة، وعلمهما لا يزال بيننا.
وأما من ترك لنا فسقاً وفجوراً وغناءً وزوراً فكلما رأينا ما تركوا لعناهم بلعنة الله لهم.