Q عندما نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ونقول له: جزاك الله خيراً عن المسلمين، وأنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة، فهل يسمعنا؟ وهل الموتى يسمعون؟
صلى الله عليه وسلم مما لا شك فيه أن الأحاديث جاءت تثبت أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم رد الله عليه روحه ليرد عليه السلام، وهو القائل: (أكثروا من الصلاة والسلام علي في يوم الجمعة، قالوا: يا رسول الله! كيف نصلي عليك وقد أرمت -يعني: مت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) فإن صليت عليه في القاهرة يسمع صلاتك صلى الله عليه وسلم بنص الحديث، إنما سماع الأموات المنفي هو سماع الإجابة، فالبعض يقولون: الأموات لا يسمعون، وهذا كلام غير صحيح، فالموتى يسمعون، يعني: يدركون الصوت وإلا ما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول عند دخول المقابر: السلام عليكم، بكاف الخطاب، ولو كانوا لا يسمعون لقلنا: السلام عليهم، فقولك: (السلام عليكم) يعني: أنك تخاطب من يسمع، ولذلك في الحديث الذي رواه البخاري: (إن الميت يسمع قرع نعل أصحابه عند انصرافهم) فالبعض يقول: يسمع قرع النعل فقط ولا يسمع سوى ذلك، ويتحجر في فهم النص؛ لأنه يريد أن يغلق باب الشرك.
فالموتى يسمعون لا شك، لكن السمع المنفي عنهم هو سمع الإجابة؛ لأن السمع يأتي على ثلاث معان كما قال ابن القيم: سمع بمعنى إدراك الصوت، وسمع بمعنى الإجابة، وسمع بمعنى الفهم، والقرآن فيه المعاني الثلاثة، أما بمعنى إدراك الصوت فنحو قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] وأما بمعنى الإجابة فكقولك في الصلاة (سمع الله لمن حمده) أي: استجاب الله لمن حمده، فالسمع هنا بمعنى الاستجابة ومن السمع بمعنى الإجابة قوله تعالى: في سورة الملك: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10] فنفوا عن أنفسهم السمع، والسمع الذي نفوه عن أنفسهم هو سمع الإجابة وليس إدراك الصوت، يعني: سمعنا لكننا لم نستجب، وقال عز وجل: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]، فالنبي صلى الله عليه وسلم يسمع من يسلم عليه قولاً واحداً.
وأما هل الموتى يسمعون؟ فقد أجبنا عن هذه النقطة، وابن تيمية في فتاواه على أنهم يسمعون، بمعنى: إدراك الصوت لا بمعنى الإجابة، والله تعالى أعلم.