الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: قبل أن نستكمل الرحلة مع مناسك الحج في سؤال وجواب وبيان حكم الأضحية وأحكام الزيارة إلى المدينة المباركة وما فيها من مخالفات، دفع إلي أحد الإخوة ورقة لكاتب لا داعي أن نذكره وإنما سأقرأ لكم منها نصاً؛ حتى تعلموا أن الهجمة المتعددة على النقاب والحجاب واللحية والأصوليين -كما يسمونهم- وعلى الثوابت الشرعية بصفة عامة الآن على أشدها.
يقول ذلك الكاتب في مقال بعنوان: ماذا يجري في مصر الآن؟ فما الذي شد انتباهه؟ وما الذي جعله يكتب هذا؟ ذكر أنه كان يسير على الطريق الدائري فرأى نساءً يلبسن النقاب، فشد الانتباه فكتب: ماذا يجري في مصر؟ ثم قال: وخلال هذه الجولة الكبيرة الواسعة وقع بصري على عدد كبير من سيدات وفتيات القاهرة الكبرى وكلهن في ملابس حيث الحجاب يغطي الرأس ونصف مساحة الوجه والكتفين والصدر، أمهات وشابات وفتيات على وشك زواج، وبنات في المدارس الثانوية والإعدادية وحتى أطفال في المدارس الابتدائية، وأسأل: هل حدثت هذه الخطوة عفوياً أو بتأثير تنظيم سياسي؟ ومن الذي تولى إقناع كل هؤلاء الناس بارتداء هذا الزي الذي يقال: إنه زي إسلامي؟! كيف تبدو القاهرة على هذا النحو الآن وقد كانت نساء وفتيات مصر يعتبرن في مقدمة نساء العالم العربي في بداية القرن، هل هي نتيجة أوضاع اقتصادية كما يقول البعض: توفير لمصاريف الكوافير والحلاق؟ والعبد لله لا يميل لهذا الرأي؛ لأنني أعرف حب المرأة لزينتها وحرصها على أن تبدو جميلة.
هل هي نتيجة طبيعية لنشاط الدعاة الشباب الذين انتشروا في الفترة الأخيرة وتواجدوا بشكل دائم في القنوات الفضائية؟ هل هي رد فعل لحفلات الندب واللطم تحت مسمى الإنشاد الديني وأبطاله مثل الشيخ جبريل والطبيب صلاح الجمل؟ وأخذ يسب ويلعن الذين ذكرهم، وهذه القضية خطيرة، فهو يقول: ما الذي حدث؟ ولماذا بنات شابات يلبسن هذا وهن على وشك زواج؟ فما الذي جرى للمرأة في مصر؟ فالمرأة في مصر كانت تخرج عارية، فلماذا حجبوها الآن؟ وكأن هذا الرجل تأخذه الرحمة بها، ويرى أنه لابد من بحث المسألة، وأن المسألة تحتاج إلى بحث ومناقشة وجدول أعمال، فهذا يقول: السبب سوء الحالة الاقتصادية.
والآخر يقول: لا.
الحجاب والنقاب ينتشر في المناطق العشوائية أما في المناطق الارستقراطية فلا! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أرأيتم إلى خبل كهذا الخبل؟ إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أننا في زمن الرويبضة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا الرجل المسكين ظننت أنه سيكتب ماذا جرى لبناتنا من ظهور العورات والتسكع في الطرقات والزواج العرفي والزنا، وظننت أنه سيكتب أن الأعراض تباع وتشترى، إنما الذي يقلق المضجع هو أنه كتب: أن البنات والنساء والفتيات يلبسن زياً ليس على المعرفة، وأن المرأة المصرية كانت في ركاب التقدم والعري فما الذي حدث؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأنا أجيبه وأقول له: إن الذي نشر هذا الزي هو الله رب العالمين؛ لأنه هو الذي يملك مفاتيح القلوب وإن أوصدت أنت وأمثالك الأبواب، قال عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32].
وهذا الكاتب معروف بأنه يكتب في جريدة قومية مشهورة وهي جريدة الأهرام، ويكتب المقالات الدعابية؛ نسأل الله العفو العافية؛ لأن البعض منهم يريد أن يكون له شأن، ويعتقد أنه لن يكون له شأن إلا إذا وقع في القرآن والسنة، ولكني أقول لإخواني مطمئناً: لا داعي لأن تدفعوا لي هذه المقالات فالأمر كما قال الشاعر: لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار فلو ظللنا نتتبع ما يكتب فلن ننتهي، فآخر مقالة في صوت الأمة فيها: أن رجم الزاني لا يكون إلا في شريعة بربرية همجية.
فوصف الشريعة الإسلامية بأنها بربرية همجية في زمن الحضارة والرقي، وهؤلاء يكتبون وهم آمنون كيفما شاءوا ولا حجر عليهم، وهؤلاء هم الذين يقال عنهم: أصحاب الفكر المستنير وأرباب الحضارة والذين يغذون الشباب بالأفكار، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولكن أقول: دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة، ويوم تقوم الساعة: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227].
أسأل الله أن يثبت بناتنا ونساءنا على النقاب، وأقول لهن: انتشرن في القاهرة الكبرى، فكلما زدتم في العدد تغيظ أهل النفاق، حتى وإن كانت المسألة خلافية في الخمار لكن نقول الآن بوجوب النقاب؛ لأن أهل الفقه الذين قالوا بعدم الوجوب لو كانوا في زماننا لأعادوا النظر فيما قالوا.
خرج عبد الله بن أم مكتوم الأعمى يوماً مع المجاهدين في سبيل الله للجهاد، فقيل له: لم تخرج وأنت عاجز عن الجهاد؟ قال: أردت أن أكثر جمع المسلمين.
ونحن نقول: كثروا الجمع، أعفوا ا