لقد ضحى النبي عليه الصلاة والسلام بكبشين أملحين أقرنين موجوئين وضع قدمه على صفاحهما وقال: بسم الله، الله أكبر، اللهم إن هذا عن محمد وعن آل محمد، ثم ضحى بآخر عن فقراء المسلمين.
أيها الأحباب الكرام! الفقراء يتطلعون إلى الأغنياء في هذا اليوم حتى نوسع عليهم، فكم أكلنا من لحوم في طوال السنة! وقد جاء يوم العطاء، والله سبحانه يقول: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان:8] أي: على حب الطعام، كان الربيع إذا جاءه سائل وطرق بابه قال: أعطوه سكراً؛ لأن الربيع كان يحب السكر، والمعنى: أنهم كانوا يتصدقون مما يحبون، أما نحن الآن فجعلنا لله ما نكره، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل:62].
سنعود بعد قليل نوسع على أولادنا، فمن لليتيم والمسكين الذي ما تذوق اللحم في حياته أبداً؟! وسعوا على فقراء المسلمين أيها الأحباب، ولا يقولن قائل: إن من السنة أن تقسم الأضحية ثلثاً وثلثاً وثلثاً، أبداً، فقد قال بعض العلماء: يجوز أن تتصدق بها كاملة شريطة أن تأكل جزءاً يسيراً منها والكبد.
أيها الأحباب! ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وعاد إلى بيته، فسأل عائشة عما صنعت بالكبشين فقالت: (ذهبت كلها ولم يبق في البيت إلا كتفها، قال: يا عائشة! لا تقولي ذلك، بل قولي: بقيت كلها، ولم يذهب إلا كتفها).
فيا عبد الله، ادخر عند ربك سبحانه، ادخر عند ربك عز وجل ليوم تشيب فيه الرءوس، ليوم كل إنسان يقول فيه: نفسي نفسي.
يا عباد الله! انظروا إلى الأحباب والأولاد، كم فارقنا من حبيب وغالٍ، وتلك سنة الله عز وجل.
وعليكم أن تصلوا أرحامكم، فإن الرحم معلقة بالعرش في مقام العائذ من القطيعة.
البعض يقول: لا، فعل بي كذا، هجرني، لا يا عبد الله، صل من قطعك، واعف عمن ظلمك، هذا هو العيد، وليس له معنى إلا ذلك يا عباد الله.
أحبتي الكرام! في هذا اليوم المبارك، لابد أن نتصدق، وأن نشكر الله، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر عند شيخنا الألباني: (أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله عز وجل).
فكلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية، ولكن شريطة أن تشكروا نعمة الله عز وجل عليكم.
أيها الأحباب الكرام! ضحوا على بركة الله، ولا يجزئ شراء اللحم، وإنما لابد من إراقة الدماء للقادر في هذا اليوم المبارك، فهي أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، وادع الله لإخوانك فنحن الآن نجلس، والجو بارد، لكن لنا إخوان في العراق وفي فلسطين، وفي أفغانستان شردوا من بيوتهم، وانتهكت أعراضهم، وديست مقدساتهم بأيدي إخوان القردة والخنازير، والأمة تطأطئ الرأس، وقد قبلت الذلة والمهانة.
وصدق ابن الخطاب حين قال: كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
فلا عزة للأمة إلا بشرعها، وإلا بكتاب ربها، وإلا بسنة نبيها صلى الله وعليه وسلم، تذكروهم بالدعاء هذا هو أقل شيء، تذكروهم بالدعاء، فكم من كرامة ديست، وكم من بكر انتهك عرضها بأيدي أعدائنا!!.
أرض بغداد سقطت ومن قبلها فلسطين، ومن قبلهما الخلافة، والأمة تتوالى عليها الأدوار، ولا تملك إلا الاستنكار.
اللهم إنك تسمع كلامنا، وترى مكاننا، ولا يخفى عليك شيء من أمورنا، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم استر عوراتنا، وحجب نساءنا، واهد شبابنا، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا، ونور أبصارنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا رب من الراشدين.
اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، اللهم اشف مرضانا في هذا اليوم المبارك العظيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم ولِّ أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وعليك بأعدائنا، يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ومن الذل بعد العز، اللهم إن ليل المسلمين قد طال فاجعل له فجراً، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، اللهم حرر بلاد المسلمين من كيد الكائدين، وتآمر المتآمرين.
اللهم انصر الإسلام في ربوع الأرض يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير، اللهم أعط في هذا اليوم منفقاً خلفاً، اللهم من وسع على فقراء المسلمين، فوسع عليه يا رب العالمين.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اعف عنا، وعلى طاعتك أعنا، ومن شرور خلقك يا رب سلمنا.
تقبل الله منا ومنكم، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.