إن أدلة تحريم التدخين في الكتاب والسنة هي أكثر من دليل نسوقها إلى هؤلاء؛ لأن التحريم يقوم على أدلة، ولا نحرم إلا بنص.
الدليل الأول: في سورة الأعراف، يقول ربنا سبحانه في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] إذاً: القرآن أتى بقواعد عامة، وعلى هذه القاعدة نقيس المستحدثات، فإن قيل: التدخين مبتكر ومستحدث، وليس عليه دليل في القرآن والسنة، فإننا نقول: وهذا البنج كذلك مستحدث وليس عليه دليل في القرآن والسنة، وكذلك الهروين جديد مستحدث وليس عليه دليل في القرآن والسنة، إذاً: الهروين مكروه، والبنج مكروه، فهل أحد يسلم بذلك؟! أقول: هذا الكلام ينشر في الفضائيات ويُسمع ويُكتب في الجرائد والصحف، ممن ينتسبون إلى العلم زوراً وبهتاناً.
إذاً: من قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ} [الأعراف:157] نستطيع أن نضع قاعدة، هذه القاعدة هي: كل طيب حلال، وكل خبيث حرام، وإذا جئنا نسأل أنفسنا: هل السجائر والشيشة والبوري والسيجار من الطيبات أم من الخبائث؟ هل هناك عاقل يقول: إنها من الطيبات؟ لا يمكن.
إذاً: خذوا هذه الأدلة التي تزيد عن عشره، وادفعوها في وجوه هؤلاء لعلهم يستيقظون؛ لأن الشباب يريد فتوى يتعلق بها، فأفتى البعض بجواز التدخين وبعدم حرمته، وبأنه مكروه وليس بحرام، ويفهم الشباب من هؤلاء الذين يُنسبون إلى الفتوى بأن التدخين ليس بحرام.
إن مفتي الديار المصرية الشيخ: نصر فريد واصل أصدر فتوى وعُلّقت في المساجد، فحواها: التدخين حرام شرعاً، والدخان أشد حرمة من شرب الخمر، هو قال ذلك، لكن مع تحفّظنا على الجزء الأخير في الفتوى؛ لأن التدخين مقاس على الخمر، وليس الخمر مقاساً على التدخين، فالخمر أصل والتدخين فرع يقاس عليه، فلا يمكن أن نقول: إن الفرع يزيد عن الأصل؛ لأن العلة في تحريم التدخين هو الضرر الذي سيعود على المسلمين.
ومن أمثلة القياس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) فقاس العلماء على الخطبة الإيجار، فإذا استأجرت محلاً في شارع العزيز ووقعت عقد الإيجار مع المالك، فجاء آخر وقال للمؤجر: أنا أزيدك في الإيجار فافسخ العقد، ففسخ العقد معك، هل يجوز هذا أم يحرم؟ يحرم؛ لأن العلة واحدة، فالعلة في عدم الخطبة هي عدم إيغال الصدر، وعدم إثارة الفتن بين المسلمين، وكذلك العلة في الإيجار قال العلماء هي نفس العلة في الخطبة، فالشريعة تضع أصولاً عامة، ونحن نقيس على تلك الأصول ما يتفق معها في العلة، لماذا حرّم الله الخمر؟ هل لأنها صفراء؟ إذاً: الفانتا حرام، والشبس حرام، وعصير البرتقال حرام! إذاً: لم تحرم لأنها صفراء، فهل حرمت لأنها سائل؟ إذاً: كل السوائل تحرم، إذاً: ليست هذه هي العلة، إنما حُرّمت الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتُذهب العقل وتفتر الجسد، وفيها ضرر، وربنا يقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219].
وبهذه الآية نضع قاعدة وهي: كل شيء إثمه أكبر من نفعه فهو حرام.
الدليل الثاني: يقول ربنا في سورة البقرة: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، والدخان إلقاء باليد إلى التهلكة، قال: ((وَلا تُلْقُوا)) نهي يفيد التحريم، فالإنسان لا يجوز له أن يقتل نفسه.
الدليل الثالث: قول ربنا في سورة النساء: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، وهذه الآية لها مناسبة، فقد نزلت في عمرو بن العاص حينما كان في غزوة من الغزوات وأصابته جنابة، وكان من الصحابة من يستيقظ على هذه الحال، وهذا رد على بعض الناس الذين يظنون أن هذا لا يجوز، فـ عمرو بن العاص حين استيقظ رأى الجنابة في ثوبه، فنظر فإذا بالجو رطب، ودرجة الحرارة تحت الصفر، أي: أن الجو بارد شديد البرودة، فإذا اغتسل أصيب بأذى، ومن الممكن أن يتجمد، فماذا صنع عمرو؟ تيمم وصلى بأصحابه صلاة الفجر، وهذا الحديث عند البخاري يقول فيه: المتيمم يؤم المتوضئ، وهو حكم فقهي، فـ عمرو بن العاص رفع الجنابة بالتيمم، ثم صلى بأصحابه، وبعد الصلاة علم أصحابه بما صنع، فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أصليت بهم وأنت جنب يا عمرو؟! قال: يا رسول الله! تذكرت قول ربي عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، فابتسم النبي عليه الصلاة والسلام وأقره على فعله).
إذاً: حدّثوني أيها الأطباء! أيها العقلاء! عن الأمراض التي يجذبها التدخين وتسبب الموت، فبعض ا