آداب الطالب مع شيخه أكثر من عشرين أدباً سأذكرها إجمالاً: أولاً: أن يكون الشيخ محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف عند جلوسك والتحدث معه.
ثانياً: حسن السؤال والاستماع.
ثالثاً: ترك المجادلة والمماراة، فكثرة الأسئلة على الشيخ معناها أنك تماري الشيخ وتزيد في السؤال، وتقاطعه عند حديثه، وهذا ليس من الأدب.
رابعاً: عدم التقدم عليه بكلام أو مسير.
خامساً: عدم إكثار الكلام عنده.
سادساً: عدم الإلحاح عليه في الجواب إذا كان لا يريد أن يجيبك في ذلك الوقت.
سابعاً: لا تناده باسمه مجرداً، كما أنك لا تنادي أبيك باسمه مجرداً، أو تقول له: يا أب! فمن الأدب أن تقول له: يا أبتي! تقدره وتعظمه، أيضاً من الأدب ألا تنادي الشيخ باسمه مجرداً، ولا تقل له: يا شيخ! إنما تقول: يا شيخي أو يا شيخنا! من باب التعظيم والإكرام.
ثامناً: لا تناده من بعد إلا لضرورة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4].
تاسعاً: توقير مجلسه، كأن تجلس منتبهاً إلى درسه بطريقة فيها احترام وتقدير، أما اللعب في مجلس العالم والالتفات يمنة ويسرة، أو الاستياك والتعطر، فهذا من عدم احترام مجلسه.
عاشراً: إظهار السرور من الدروس والإفادة به، كالاعتراف بالاستفادة والدعاء له، مع أنه يمكن أن يكون ما أضاف إليك جديداً، لكنك تدخل السرور إلى قلبه، وتظهر له أنك تستفيد من دروسه.
وهنالك مواقف تدل على عدم احترام الشيخ: منها: رسالة أرسلها إلي أحد الإخوة في درس يوم الإثنين -بارك الله فيه وجزاه خيراً- وخلاصة الرسالة: ونحن لا نستفيد من هذا الدرس أبداً، وهو درس ضعيف جداً، جزاك الله خيراً وبارك فيك! وفي مرة من المرات حصل لي سبق لسان قلت: (ولتستبين سبيلَ المجرمين)، وهي: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]، رغم أن (سبيلَ) قراءة متواترة صحيحة، فأرسل أحد الأخوة رسالة أخرى: لقد أخطأت في القرآن أمس، فقلت: (سبيلَ) وهي (سبيلُ).
وفي درس الربا حينما قلنا: إنه لا يجوز أن يقايض مكيلاً بموزون، وهذا كلام صاحب العدة، لكن ابن تيمية رجح أنه يجوز إذا كان لا فرق بين الموزون والمكيل، فأحد الأخوة قرأ المسألة ثم أرسل لي رسالة قال فيها: أنت الآن تتضارب، مرة تقول كذا وأخرى تقول كذا، ثم لا تفرق بين الكيل والوزن، فهذا ليس من الأدب، وقبل أن تناقش عد إلى المسألة وابحثها، وقبل أن تسارع في التخطئة ابحث المسألة علمياً، وتأنى في الطلب.
ثم إذا وهم الشيخ، أو سبق لسانه بشيء فقال مثلاً: لا يجوز وهو يقصد: يجوز، فهذا يسمى وهم، ومَن مِن العلماء لا يهم؟ وكثير من علماء السلف كان يهم في مجلسه، فبعض طلبة العلم إذا وهم الشيخ كان ينشر هذا الإيهام سريعاً، فإذا وهم الشيخ فلا يسقطه ذلك من عينك؛ لأنه إذا سقط من عينك معناه أنك لن تطلب العلم، وكلما وهم الشيخ اترك مجلسه، إذاً: لن تجد من تتعلم على يده، وهذه النقطة من الخطورة بمكان.
الحادي عشر: عدم امتحانه على القدرة العلمية والتحمل، كأن يأتي الطالب بسؤال لشيخه وهو يعرف الإجابة، لكن مقصوده هو الاختبار له، فيقول له: ما الحكم في كذا؟ والشيخ لا يدري، وهذا من سوء الأدب، واختبار العلماء مصيبة.
الثاني عشر: استئذانه، فإذا أردت أن تنتقل من مسجد إلى آخر، فعليك أن تستأذن شيخك في حضور هذا الدرس أو عدم حضوره، وهذا من الآداب؛ لعل صاحب الدرس الآخر مبتدعاً، ولعل شيخك يعرف عنه ما لا تعرفه أنت، ولعله يمنعك من الحضور لأسباب، فتعود إليه.
الثالث عشر: احذر صنيع الأعاجم من الخضوع الخارج عن الآداب الشرعية، وهو لحس الأيادي والكتف والرقبة، وهذا صنيع المخانيث، إذا أردت أن تقبل يد العالم فلا بأس، لكن في عزة ورجولة وعدم تخنث، إنما الممنوع هو التقبيل تبركاً، حتى إذا صار الشيخ بسيارته يحملونها فوق رءوسهم، وإذا أراد أن يشق طريقه لا يستطيع، هذا من الغلو، وهذا من عدم فهم النصوص الشرعية في التأدب مع العلماء.
الرابع عشر: لا تقلده في مشيته وحركته وهيئته، إذ لا يقلد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].
الشيخ ليس له قدوة إلا فيما وافق فيه النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا وافقه فأنت تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أسوتك وقدوتك.
الخامس عشر: لا تكن سبباً في فتوره وكسله وقطع علمه؛ لأن نشاط الشيخ على قدر نشاط الطالب، والمعنى: أن تكون في مجلس علمه نشيطاً ومنتبهاً، ونشاطك يعطي الشيخ نشاطاً، وإن كسلت في الطلب تأخذه إلى الأدنى.
السادس عشر: الحذر من المبتدعة من أهل الضلال والبدع؛ فإن مجالستهم ضلال.
هذه أيها الإخوة الكرام! بعض الآداب التي جمعها العلماء من كتبهم في آداب طالب العلم مع نفسه، وآداب طالب العلم مع شيخه.
أختم الحديث أيها الأحباب الكرام! بأن شركة الإبداع -وهذا ليس إعلان لتجارة، والله يعلم ال