الحمد لله رب العالمين الذي رفع شأن العلم في كتابه، فقال عز وجل: {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وقال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85]، والآمر لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزود من طلب العلم فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا إلى الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه.
ثم أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! المرض الخطير جداً هو أن طالب العلم لا يعرف الآداب ولا الآفات التي يجب أن يتحلى بها وأن يتخلى عنها، فالعلم له آداب يجب أن يتحلى بها طالب العلم، وله آفات يجب أن يتخلى عنها، ومن هنا كانت مجالس العلماء تدرس فيها حلية طالب العلم.
وحينما نسمع أدب طالب العلم مع شيخه، نرى أننا نعيش في واد والآداب في واد آخر تماماً، ومن الآداب: أنه لا يجوز لطالب العلم أن ينادي الشيخ باسمه مجرداً، أو أن يقول له: يا شيخي! -بياء الخطاب- أو يا شيخ! وإنما له آداب في المناداة، وله آداب في التقدم عليه، وله آداب في سؤاله، وله آداب في مراجعته، وله آداب في محاورته، وإذا وهم -أي: خرجت منه كلمة بسبق لسان- فهناك آداب أيضاً في الرد عليه.
ويبدو أن الموضوع شائك، لكننا في عجالة شديدة سنحاول أن نبين الآداب التي ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها، والآفات التي ينبغي لطالب العلم أن يتخلى عنها.
فهناك آداب للطالب في نفسه ينبغي أن يتحلى بها، وآداب للطالب مع شيخه، وآداب للطالب مع زملائه، فلا ينبغي أن يمشي مع طالب يشينه، ولا أن يوجد في مكان يشينه.
لا تكن أبا شبر؛ لأنهم قالوا: العلم ثلاثة أشبار، من حصَّل الشبر الأول تكبر، ومن حصَّل الشبر الثاني تواضع، ومن حصَّل الشبر الثالث علم أنه لا يعلم شيئاً، فلا تكن أبا شبر، فصاحب الشبر يتكبر، وصاحب الشبرين يتواضع، وصاحب الثلاثة يعلم أنه لا يعلم شيئاً، فكلما ازداد المرء علماً ازداد تواضعاً.
وهناك آداب خاصة لطالب العلم كتب فيها العلماء؛ كآداب حملة القرآن، وآداب المحدث، وآداب المفتي، وآداب القاضي والتقاضي، وآداب المحتسب.
وهناك آداب على العموم ذكرها العلماء في مراجعهم: منها: الفقيه والمتفقه للحافظ البغدادي.
تعليم المتعلم طريق التعلم للزرنوجي.
أداب الطلب للشوكاني.
أخلاق العلماء للآجري.
آداب المتعلمين لـ سحنون من المالكية.
جامع بيان العلم وفضله لـ ابن عبد البر المالكي.
مفتاح دار السعادة لـ ابن القيم رحمه الله.
الحث على طلب العلم للعسكري.
وهكذا تجد أن العلماء إما أن يتحدثوا عن آداب خاصة، أو آداب عامة لطالب العلم.