الحمد لله رب العالمين الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ.
وأشهد أن نبينا ورسولنا سيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغرِّ الميامين اصطفاه الله على الأنبياء والمرسلين.
ثم أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنكم لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وإنها لجنة أبداً أو لنار أبداً.
أيها الإخوة الكرام! نواصل الحديث مع سورة الإنسان في اللقاء الأول، وفي اللقاء الثاني أقف وقفة لا بد منها دفاعاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد طفح الكيل، ففي الأجهزة المرئية والمسموعة، بل وفي المناهج التي تدرس على أبنائنا في المرحلة الإعدادية سب واضح بيِّن لأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
فكان لا بد من وقفة؛ لعل من استطاع أن يبلغ أو استطاع التغيير أن يغير، فهذا واجبنا تجاه أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم.
يقول الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية: ونبغض من أبغض أصحاب رسول الله؛ لأن حبهم إيمان وإحسان، وبغضهم كفر وعصيان.
وسأؤجل الحديث عن هذه القضية إلى اللقاء الثاني، وأقرأ على مسامعكم من كتاب الدراسات الاجتماعية الذي يدرس على الصف الثاني الإعدادي في مصر ما سطر وكتب في شأن عثمان رضي الله عنه، وفي شأن معاوية رضي الله عنه، وفي شأن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهؤلاء هم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الأعلام، وقد حذر من سبهم أو التعريض بهم أو الدخول في الخلاف الذي وقع بينهم، فهي فتنة طهر الله منها أيدينا، فعلينا أن نطهر منها ألسنتنا، كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عن أصحاب رسول الله.
توقفنا عند قول الله سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:8]، أي: على حب الطعام، والدليل أنه على حب الطعام: قول الله تبارك وتعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة:177]، وأفضل الصدقة أن تتصدق وأنت شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولذلك كان الربيع بن خثيم من السلف إذا جاء سائل يطرق بابه، قال: أعطوه سكراً؛ فإن الربيع يحب السكر، فكان يختار ما يحب لينفقه للسائلين والمساكين واليتامى، فيخرج ما يحبه لربه؛ لأن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92].
وقال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة:177]، أي: مع حاجته له، ومع رغبته فيه، ومع ذلك يتصدق به لربه عز وجل.
يختار أصحاب الحاجات: (مسكيناً) وقد عرفنا المسكين في اللقاء السابق، (ويتيماً)، اليتيم: هو من مات أبوه.
والذي أعاد البسمة إلى وجوه اليتامى هو سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نشأ يتيماً حيث مات أبوه وهو في بطن أمه؛ فقال له ربه: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} [الضحى:6]، ثم قال له: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:9].
فالمسح على رأس اليتيم عبادة، وكفالة اليتيم عبادة، فهل تريد أن تكون بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؟ أي شرف ومنزلة؟ ومن منا لا يرغب في هذه المكانة؟ اسمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وقرن بين السبابة والوسطى)، انظر إلى هذا الشرف! فإن أي كافل يتيم يقف في الجنة بجوار رسول الله، فيا له من شرف! فاطرق أبواب اليتامى، ولذلك لما أنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10]، شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والآية فيها زجر وتهديد ووعيد شديد لمن يأكل أموال اليتامى، وقد كان من كان عنده يتيم في حجره يعزله بماله بمأكله بملبسه، فلم يخالطه؛ فأنزل الله سبحانه فيه رفعاً للحرج: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُ