نحن ننظر إلى الدنيا نظرة مختلفة، ولابد أن ننظر إليه كأننا فيها غرباء: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) بالله عليك لو أنك من الزيتون، وذهبت إلى الإسكندرية هل ستكون فيها غريباً؟ كذلك هذه الأرض هل تعمر فيها طويلاً؟ هل تخطط لسنوات؟ نحن هنا نخطط ل (2100م)، ول (2200م) فهل هذا هو فعل الغرباء؟ ندب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة للإنفاق في غزوة تبوك، وهي من الغزوات المهمة في دراستها، إذ إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يخبر أصحابه بالجهة التي سيقاتلون فيها، إلا في هذه الغزوة، وذلك لسببين: الأول: العدو هم الروم وهم كثر، والمسافة طويلة جداً آلاف الكيلو مترات.
الثاني: الجو حار؛ لذلك قال المنافقون: {لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التوبة:81].
لما ندبهم النبي صلى الله عليه وسلم لتجهيز جيش العسرة أتى عثمان بن عفان بماله وجهز ثلث الجيش، ثلث جيش العسرة جهزه عثمان من ماله، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)، أما الصديق فأتى بكل ماله، وأما عمر يقول: راودتني نفسي أن أسبق الصديق، ما سبقته أبداً، فقلت: اليوم أسبقه، فأسرعت إلى بيتي وأحضرت نصف مالي، وتركت النصف لأهلي، فجئت بنصفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووضعته بين يديه، وجاء الصديق يحمل مالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عمر! ما أبقيت لأهلك؟ قال: جئت بنصفه وتركت النصف يا رسول الله! فجاء الصديق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وأنت يا أبا بكر؟! قال: جئت بكل مالي وتركت لهم الله ورسوله) فيا له من يقين وإيمان! هل يقبل ذلك أحد؟ يعني: حينما يقال لك: ائتني بنصف مالك أو بربع مالك يا عبد الله! هل تفعل هذا؟ لا والله الذي لا إله غيره، لكنه اليقين، ولذلك يقول في حقه صاحب الحلية: هو الصديق الملقب بـ العتيق، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار، ورفيقه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنز ل فيه من عالم الأسرار: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40] رضي الله عنه.