ثم توجه الصالح للطالح بالوعظ، وهذا درس مهم في القصة، أن الذي يتجرأ على الحدود ينبغي أن تذكره بالله، فمنهج القرآن {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا} [مريم:18] وهنا تذكره بالله عز وجل، أي: إن كنت تقياً فأنا أذكّرك بتقواك، اتق الله! واحفظ حدود الله! فابن آدم الصالح وقف واعظاً يذكر أخاه بالله كحال صاحب الجنتين مع أخيه الصالح.
قال له: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة:28 - 29]، لكن الوعظ لا ينفع إلا من أنار الله بصيرته، فقد يخطب إلى الصباح، لكنه لا يتأثر بخطب ولا مواعظ: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]، فالقلوب إذا أصابها العمى لا ينفعها الوعظ والإرشاد، واعلم أن الوعظ ينفع في كل مقام ومجال، فحديث الغار ذكر الرجل الذي انفرد بابنة عمه وجلس إلى شعبها الأربع كما يجلس الرجل إلى زوجته، امرأة يريد أن يزني بها وقد فوضت أمرها إلى الله، وأغلق الأبواب وكل المنافذ، ووعظته في لحظة الصفر فقالت: اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فماذا كانت النتيجة؟ قام من عليها وتذكر ربه عز وجل، فالقلوب بيد من؟ بيد علام الغيوب، فلا تقل: لا أمل في الوعظ، فهذا شعار السلبية الذي لا نقبله، إنما ازرع الكلمات واترك النتيجة لرب البريات، فالله هو الهادي إلى سواء السبيل.
وهكذا قام واعظاً، لكن نور البصيرة قد انطفأ عند العاصي {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة:30]، أول جريمة قتل تقع على سطح الأرض: قتل الأخ لأخيه، يا له من عار! يا له دمار! يا له من بلاء شديد لآدم وحواء عليهما السلام.