مقارنة بين ربا الجاهلية وربا اليوم

أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن كانت المنظمات العالمية تفتخر بأن لها وثائق لحقوق الإنسان؛ فقد أصدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وثيقة حرمات المسلم على المسلم في حجة الوداع، ونعيش مع بند من بنود هذه الخطبة، ألا وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب)، فما هو ربا الجاهلية؟ لنعقد مقارنة بين ربا الوقت المعاصر وربا الجاهلية، وبذلك سنظلم ربا الجاهلية؛ لأننا في ربانا فقنا الجاهلية كما فقنا الجاهلية في تبرجنا، فربنا قال: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، فتبرج الجاهلية أن المرأة كانت تلبس جلباباً، وتظهر جزءاً يسيراً من رقبتها أو صدرها فقط، هذا هو تبرج الجاهلية، لكن اليوم إن نظرت يميناً ويساراً ستجد المرأة لا تلبس شيئاً، فهي كاسية وفي ذات الوقت عارية، إن لبست تلبس ما يجسد العورة المغلظة، فنحن الآن نتمرغ في جاهلية تفوق الجاهلية الأولى في بعض صورها، وليس معنى ذلك: أن المجتمع الجاهلي لا يفهم شيئاً، لكن فيه جاهلية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر الغفاري عندما عير صحابياً بلونه فقال له: يا ابن السوداء! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، على قدم إسلامه، وكبر سنه لا يزال يعاني من آثار الجاهلية، فرغم تقدم الحضارات وتقدم المدنية إلا أنها ما زالت تتمرغ في وحل الجاهلية.

من بعض المعاملات الحديثة نظام الفيزا بنك ونظام تمليك العمارات قبل أن تكتمل، كأن تبيع السمكة في الماء، أو الطير في الهواء، فهذا يسمى عند العلماء: بيع الغرر أو بيع الجهالة أو بيع المعدوم، ومعناه: بيع ما لا تملك، كأن تقول: أنت -إن شاء الله- ستحصل على الدور العشرين، وهو لا يزال في الدور الأرضي، فتكتب العقد على الدور العشرين، ويدفع هو ثمناً مقدماًً أو يتعاقد معك، هل عاين ما سيحصل عليه؟ هل تم البناء في الفعل؟ هل ملكت هذه السلعة حتى تتحكم أو تمتلك البيع؟ فلا يجوز أن تبيع إلا ما تملك، ولابد أن تملك قبل أن تبيع، فصور الربا تتعدد في كثير من معاملاتنا، فقد يحتاج هذا الرجل إلى سلعة، وليس معه الثمن، والآخر معه أموال، فالذي معه أموال يشتريها له ويقسطها، فيذهب الاثنان معاً إلى تاجر الجملة فيحصل على السلعة نقداً، ثم يقسطها على المشتري تقسيطاً، هل الذي باع السلعة ملكها؟ ما ملكها، كل الذي فعله أنه وسط المال ورابى، يعني: زاد على أصل المبلغ الذي حصله.

أما ربا الجاهلية في أبسط صوره فهو أنه كان الرجل يقرض الرجل مبلغاً من المال، ويحدد له أجلاً للسداد، فإذا جاء الأجل المحدد ولم يستطع المدين أن يسدد ما عليه يمهله الدائن مقابل إضافة مبلغ آخر، وكلما تأخر المدين كبل بفائدة، وقد كانوا في الجاهلية الأولى يحملون المدين مبلغاً طفيفاً، لكن ربا اليوم فوائد مركبة، كلما تأخر أكثر زاد المبلغ، والبعض يقول: في نظام الفيزا بنك يحصل العميل على مبلغ من المال، فإن سدده في المدة التي يحددها البنك فلا فوائد عليه، وإن تعسر عن السداد يتحمل فوائد، فيقول العميل: أنا سأسدد في المدة المحددة.

ف

صلى الله عليه وسلم أنت قبلت شرط الربا، وهو أنك إذا تأخرت ستتحمل فائدة إضافية، وهذا هو عين الربا؛ ولذلك في الحديث: (يأتي على أمتي زمان من لم يأكل فيه من الربا يصبه من غباره)، فغبار الربا قد عم الجو، وأصبح يسود العالم أجمع في التعاملات الربوية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015