حرمة الدماء

يقول عليه الصلاة والسلام: (اسمعوا عني فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)؛ لأنه استشعر اقتراب الأجل، والأدلة على ذلك ذكرها علماء السيرة من وجوه عديدة، فقال للناس وهو يؤدي النسك: (اسمعوا عني فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، وقال لـ معاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن: (يا معاذ! لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا)، فهنا يقول: (اسمعوا عني فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا.

إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)، حرمة الدماء، وحرمة الأموال، وحرمة الأعراض.

ثم قال لهم: (ألا إن كل شيء من الجاهلية تحت قدمي موضوع، ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع تحت قدمي، ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب)، ثم قال: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنكم استحللتم فروجهن بأمانة الله)، ثم بين حق الزوج على زوجته وحق الزوجة على زوجها، ثم أصدر الأمر الخاتم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي).

أيها الأحباب الكرام! وكل كلمة في هذه الخطبة تحتاج إلى لقاء، لكننا سنعيش مع اثنين من عناصرها: حرمة الدماء، وأكل الربا؛ وذلك لأننا نرى الاستهانة بأمر الدماء في هذا الزمن، ونبينا صلى الله عليه وسلم بين أن دم المسلم دم لا يجوز أن يهدر بحال فقال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).

فالأول: القاتل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]، ويوم أن ضاع هذه المعيار من الأرض استهين بأمر الدماء، فلو علم القاتل أنه سيقتل إذا قتل لكف يده عن قتل أخيه، وأول جريمة قتل وقعت على الأرض نعيش معها من خلال سورة المائدة، ثم ننظر إلى أحوال الأمة، فكل يوم نسمع ونرى بأعيننا موت الآلاف من الموحدين في بقاع الأرض، لم؟! بأيدي من؟ {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8]، القتلى أطفال صغار، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل أصحابه إلى غزوة مؤتة أمرهم: ألا يقتلوا طفلاً ولا شيخاً وألا يقتلعوا شجرة من جذورها، وألا يهدموا صومعة على عابد أو متنسك، هذا هو الإسلام، أما هؤلاء فأباحوا دماء المسلمين.

يقول ربنا في سورة المائدة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا} [المائدة:27]، الآيات تعلمنا منهجاً ألا وهو: الستر؛ لأن الأسماء لم تذكر في الآيات، فالقصص القرآني حق لا خيال كما يقول البعض، أو كما يقول أهل الكتاب: تعلمه من سابقيه، شبهات ألقوها في الآونة الأخيرة لا تصدر إلا من ضعاف العقول، يقولون: تعلم القرآن من ورقة بن نوفل، ومن بحيرى الراهب، وكان متزوجاً بأكثر من امرأة، وهذا يدل على أنه كان مزواجاً، هذه شبهات ركيكة لا ينبغي أن نلتفت إليها؛ لأن هؤلاء يقولون أقوالاً هم يعلمون أنها باطلة، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة وعمره لا يتجاوز خمساً وعشرين سنة، وبقيت معه خديجة رضي الله عنها، وبعث إلى الناس وعمره أربعون، وظلت معه في مكة مدة العهد المكي ثلاث عشرة سنة، إذاً: من خمس وعشرين إلى ثلاث وخمسين لم يجمع زوجة على خديجة بل ظل زوجاً لامرأة واحدة، وبعد أن هاجر تزوج لأسباب دعوية، فهل بعد ثلاث وخمسين سنة يفكر الرجل أن يكون مزواجاً؟! أين كانت القوة في حال شبابه؟ {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء:78] حتى قال أحدهم: القرآن محرف، والدليل: أنه جاء بكلمة (الصَّابِئُونَ) مرفوعة، وجاء بكلمة (الصَّابِئِينَ) منصوبة، فهذا تعارض، ثم أخذ يدلل على إلاهية من يزعم أنه إله بأدلة من وحي الخيال.

يقول: قال الله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]، وقال عن ابن مريم عليه السلام: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ} [آل عمران:49]، فاشترك في الخلق عيسى مع الله، إذاً: هو إله، الله يخلق وهو يخلق.

فيا عبد الله! أما تتوقف لحظة مع نفسك.

إن الله يخلق من عدم، وابن مريم كان يخلق بأمر الله من وجود، لذلك قال: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ} [آل عمران:49]، والله هو الذي خلق الطين، ثم قال: {بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:49]، فلا يمكن أن نقول: إن معجزات عيسى عليه السلام التي أيده الله بها دليل على أنه الله، هل يكون هذا عاقلاً بحال؟! ومع ذلك تسربت هذه الأقوال إلى بعض شبابنا الآن وطرحو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015