لما قام موسى يعظ بني إسرائيل قام إليه رجل منهم وسأله.
يقولون: إن السؤال نصف العلم، والجواب هو النصف الآخر، وحينما يكون السؤال صحيحاً يكون الجواب صحيحاً، والسؤال مع الجواب له أحوال في القرآن والسنة، فقد يكون الجواب أكبر من السؤال، كما قال الله لموسى عليه السلام: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} [طه:17]، فكان الجواب أكبر من السؤال.
قال: {عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18]، قال ذلك طمعاً في أن يقول له الله: وما هي المآرب الأخرى؟ أراد أن يطيل اللقاء مع الله فأطال الجواب.
وقد يكون الجواب بخلاف السؤال؛ وذلك لأن السائل سأل عن أشياء لا ينبغي أن يسأل عنها، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة:189]، فقال الله: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة:189]، أي: كان ينبغي أن تسألوا عن حكمة الأهلة لا عن شكل الهلال، فالأحرى أن تسأل عن شيء تنتفع به؛ لذلك نهى الإسلام عن الأغلوطات وهي أشياء لم تقع في واقع الناس ويفترضها السائل من عنده كأن يقول: يا شيخ! ما حكم المسح على الرأس لرجل عنده أربعة رءوس؟ أو يقول: ما حكم الصائم الذي أكل وهو نائم؟ لذلك قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم -الحديث في البخاري - قال: يا رسول الله! من أبي؟ فهل هذا سؤال بين مجموعة الصحابة؟ إذا لم يكن حذافة ماذا سيصنع بالجواب؟ لا شيء.
غير أنه سيفضح أمه بأنها زانية، فاحمر وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وغضب عمر غضباً شديداً، فقال: (أبوك حذافة)، فقام آخر وقال: وأنا من أبي يا رسول الله؟! فكبر عمر وأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]، فينبغي للسائل أن يكون حكيماً ويختار الألفاظ المحددة الواضحة، ويسأل السؤال من أقصر الطرق.
فلما سأل هذا الرجل موسى عليه السلام: من أعلم الناس؟ قال موسى عليه السلام: أنا، ولم يقل: أنا، والله أعلم، ويرد العلم إلى الله، فعتب الله عز وجل عليه إذ لم يرد العلم إليه.
لذلك بوب البخاري لذلك باباً وقال: باب من سئل: أي الناس أعلم؟ يقول: فلان.
والله أعلم.