الزواج العرفي وصوره

خامساً: الزواج السري العرفي له صور وأشكال منها: الصورة الأولى: لو أن زوجة مات عنها زوجها، وحصلت من بعده على معاش شهري، فإن نكحت غيره سقط المعاش بوثيقة رسمية عند المأذون، وهي تريد للمعاش أن يستمر، فتنكح زوجاً غيره بدون أن يوثق العقد عند المأذون، لأنه لو وثق عند المأذون سقط المعاش، وتوثيق العقد من المصالح المرسلة، وعليه فالزواج صحيح؛ لأنه استوفى شروط الزواج الصحيح، وإذا أنجبت ولداً نسب إلى والده، لكن إن طلقها فستضيع حقوقها؛ لأن عقد النكاح غير موثق عند المأذون، إذ توثيق العقد يضمن للمرأة حقوقها.

الصورة الثانية: زواج الأجانب، أي: أن الرجل ينزل من بلدته إلى بلدة أخرى، وحتى يتزوج لابد أن يحصل على ترخيص بالموافقة على الزواج من أجنبية، وذلك بأن يقدم طلباً إلى القنصلية، والقنصلية توثق هذا الأمر، وهذا أمر عسير، فيلجأ إلى الزواج السري العرفي، وعليه فيكون الزواج صحيحاً؛ لأنه استوفى شروط الزواج الصحيح، لكن ينتابه ما انتاب الصورة الأولى.

الصورة الثالثة: رجل أصبحت حياته مع الزوجة الأولى لا تطاق، فلا يستريح معها، فهي لا تستجيب لأمره، وتأبى عليه، لكنه مدير عام، فكيف يتزوج وله أبناء في الجامعة يحتلون أماكن ووظائف مرموقة؟! فالزواج في حقهم إهانة -هكذا ينظر المجتمع- وحياة الزنا والصداقة كرامة، يعني: أباحوا العشيقات ولم يبيحوا الزواج، وأنا أعلم من هؤلاء الكثير، فيأتي إلى امرأة يريدها لنفسه، فيقول لها: أتزوجك بشرط أن يكون الزواج سرياً لا يعلمه إلا أنا وأنت، واحذري أن يعلم الأبناء وزوجتي بذلك، ويشترط على الشهود التكتم، وربما قد يتزوجها بدون إذن الولي، فيكون نكاحها باطلاً؛ لعدم استيفاء الشروط الأربعة.

فيا عبد الله أحل الله لك النكاح، وأحل لك أن تتزوج إلى أربع إن استطعت أن تعدل بينهن، فلماذا تواري رأسك من أمر أحله الله لك؟! لكن يقول: أنا غير قادر على المواجهة، إذاً لا تفعل، لأن الأمر سيظهر إما عاجلاً أو آجلاً، وقد يكون حال هذا الرجل عندما يدخل العمارة أن ينظر عن خلفه وعن يمينه، ولو رآه أحد الناس سيقول: رأيت فلاناً أمس يصعد العمارة في الساعة الثانية عشر! فيقول آخر: إنه رجل محترم، لا تتكلم في حقه ولا كلمة، فهو متزوج زواجاً عرفياً! فلا حول ولا قوة إلا بالله، وخذ من ذلك الكثير والكثير.

الصورة الرابعة: لو أن رجلاً أراد زوجة أخرى، لكنه يخاف فيستأجر لها شقة في (العاشر من رمضان) وهي مدينة عمرانية جديدة، فإذا أراد أن يذهب إليها قال لأهله السابقين: صاحب العمل أرسلني في مهمة وظيفية في مدينة العاشر من رمضان، تستغرق أسبوعاً كاملاً، فيكون في ضيافة الزوجة الثانية لمدة أسبوع كامل، فإن تسرب الخبر وعلمت به الأولى فستطلب منه الطلاق أو ستخيره بين نفسها والأخرى، وكذلك أبناؤه سيقيمون على رأسه الدنيا، ويطلبون منه طلاق الثانية، وتصبح هي الضحية، وعند ذلك يتأسف لزوجته الأولى، لكنه لا يتعلم من التجربة، فيعود مرة أخرى إلى تكرارها، حتى أن هناك كباراً في السن يكونون في نادي يسمى بنادي المسنين، حيث يبلغ الواحد منهم سن السبعين أو الثمانين، وثلاثة أرباعهم متزوجين زواجاً عرفياً؛ لأنه يخاف من المجتمع أن يقول: رجل كبير في السن يتزوج! فيا عبد الله! إن الزواج من سنن المرسلين ومن سنن الفطرة، وهل يمكن للإنسان أن يستغني عن الطعام والشراب؟ لا يمكن، وكذلك لا يمكن أن يستغني عن الزواج: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187]، ولا يمكن للمرأة أن تعيش بغير رجل، ولا الرجل أن يعيش بغير امرأة، فلابد لكل امرأة من زوج.

ثم أخبروني كيف إذا زاد عدد النساء على عدد الرجال فكيف نحقق التوازن في ذلك؟ إن التعدد علاج لذلك، وهذا ما جاء به الإسلام، وما عدا ذلك فإما أن يكون للرجل امرأة أخرى دون أن تعرف زوجته الأولى، وأما أن يكون له عشيقات.

وأخيراً أقول: إن الزواج السري باطل شرعاً؛ لأن العلاقة الزوجية يترتب عليها آثار كثيرة، منها: الحمل والأولاد، والميراث، فلو مات الأب والجميع يعلم أن له زوجة واحدة، وأبناءه فلان وفلان، ثم تظهر الثانية وأولادها، فتقول الأولى وأولادها: إن أبانا لم يخبرنا بأنه متزوج، فتخرج لهم المرأة الثانية وثيقة النكاح، فيترتب على ذلك ما لا يحمد عقباه، لذا فإن الإسلام يأمرنا أن نكون في تمام الوضوح في التعاملات، فإذا سار مع امرأة يعلم الناس جميعاً أنها زوجته، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (على رسلكما إنها صفية)، ولذلك كان من محاسن شريعتنا أنها نظرت إلى هذا الموضوع نظرة موضوعية، فهذا هو حكم الزواج السري في شريعة رب العالمين أردت أن أبينه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يزوج شبابنا، وأن يحصن فروجنا، وأن يكفينا الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015