الشرط الثاني: رضا المرأة، فالإسلام قد كرمها ورفع من شأنها، ولذا فيا أيتها المرأة العاقلة لا تسمعي إلى الدعاوى الهابطة، كالدعوة إلى أن المرأة كالرجل سواء بسواء! فهل يريد هؤلاء للرجل أن يحيض، في زمن يحيض فيه بعض الرجال؟ نسأل الله العافية، ما هذا الهراء؟! فالمرأة ليست كالرجل؛ لأن ربنا يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36].
وعليه، فالدليل على رضا المرأة لصحة عقد الزواج: قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن.
قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت)، إذاً فالثيب تصرح برغبتها في الزواج من عدمه؛ لأنها قد دخلت حياة الزوجية قبل ذلك، فأصبح الحياء عندها أقل من البكر، بينما البكر تسكت، وإن طلب أبوها الإجابة منها تقول: الذي تراه يا أبت، وهذا دليل على الموافقة؛ وهذا عندما يكون عندها حياء، أما الآن فتأتي الفتاة من الجامعة فتقول لأبيها: أقدم لك زوجي! نسأل الله العافية، زوجك من أين؟! المهم أن يقر العقد والزواج.
وفي الحديث أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، قيل: يا رسول الله إن البكر تستحي أن تتكلم، قال: إذنها سكوتها)، ولذا يشبهون حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم بحياء المرأة البكر في خدرها، والمرأة البكر إذا سمعت كلمة تخدش الحياء يتغير وجهها، ولذلك جاء في حديث الحاكم عن أمنا عائشة قالت: لما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرتي كنت أضع الخمار عن رأسي -لأن الذي في القبر هو زوجها- ولما دفن بجواره أبو بكر كنت أضع الخمار عن رأسي -لأنه أبوها- ولما دفن عمر كنت لا أضع الخمار حياء من عمر في قبره.
شدة حياء يا عبد الله، (ولكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء)، أما اليوم فقد نجح الأعداء في نزع الحياء من كثير من نسائنا ومن شبابنا، سواء بالمواقع الفاسدة في الإنترنت أو بالقنوات الهابطة، حتى أنك لا تجد الآن إلا القليل القليل، وحينما تتحدث اليوم مع البنت المخطوبة فإنها تدخل معك مباشرة في التفاصيل دون مقدمات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فأين الحياء؟ لذلك جاء في البخاري: (مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يعظ أخاه في الحياء -كأنه يقول له: الحياء ضيعك، الحياء ضيع حقك- فقال: دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)، قال تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25]، وقال عمر بن الخطاب: تضع يدها على وجهها تخاطب رجلاً أجنبياً لا يحل لها، فتخاطبه باقتضاب وبعبارة مركزة: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25]، أما في عصرنا فتبدأ بالتعارف، وأخذ رقم المحمول، وتسأل الفتاة: ماذا تتمنين؟ فتقول: والله الذي أريده شخصية فيها مواصفات كذا وكذا، لكن هو أمامها ويبدءان بالتعارف والتداخل.
وآخر يأتي ويقول: يا أختي الفاضلة هل حضرت المحاضرة السابقة للأستاذ الدكتور فلان؟ فتقول له: نعم.
فيقول: هل يمكن أن أنقل المحاضرة منك؟ فتكون ذريعة للقاءات والجلسات.
إن هذا الهراء الذي نراه قد تسبب في ضياع شبابنا، وأقسم لكم بالله أننا في كل أسبوع نسمع العجب العجاب؛ بسبب هذا الاختلاط وبسبب ضياع الحياء، فأقول للمرأة المسلمة: عرضك أمانة فلا تفرطي فيه، واحذري أن تقعي فريسة لذئب بشري بأي مدخل من مداخله، فقد جاء في الحديث أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها: (دخلت عليها فتاة فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها)، أي خيرها بين فسخ العقد أو إمضائه؛ لأن العقد الآن باطل؛ إذ إنه تم بدون رضاها، (فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم: هل للنساء من الأمر شيء؟)، وفي رواية أخرى: (ولكني أردت أن تعلم النساء أنه ليس إلى الآباء من أمور بناتهم شيء)، يعني: ليس للأب أن يكره ابنته على الزواج، وإنما لابد أن ترضى.
ولذا فإن هذا الكلام ينتشر في أريافنا، فيزوج الأب ابنته لابن أخيه رغماً عنها، حتى لا يدخل في العائلة أحد ويبقى الميراث فيما بين العائلة، فتكره البنت على الزواج ممن لا تريد ولا ترضى، فتعيش مكرهة، وإذا عاشت المرأة مكرهة مع زوجها فإما أن تمتنع عنه، وإما أن تنظر إلى غيره، فيترتب على ذلك الفساد، ولذلك في حديث أبي داود: (أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي