ثم بعد أن غاب قرص الشمس تحرك النبي عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة؛ ليبيت فيها ويصلي المغرب والعشاء جمع تأخير، والمبيت في مزدلفة واجب من واجبات الحج، فإذا تركه الحاج يلزمه دم، وهكذا فالواجبات يجبرها الدم، أما الأركان فلا يجبرها شيء، وإنما لابد من أدائها، كطواف الإفاضة، والوقوف بعرفة، والإحرام، وسعي الحج، فإن ترك الحاج ركناً فسد حجه وعليه أن يحصِّل الركن وإن كانت المدة الزمنية طويلة، أما إن ترك واجباً فيلزمه دم، كأن يترك طواف الوداع، أو المبيت بمنى، أو المبيت بالمزدلفة، أو رمي الجمرات، أو أحرم بعد الميقات، فهذه كلها واجبات، يلزم من ترك أحدها دم.
ثم صلى النبي عليه الصلاة والسلام الفجر في مزدلفة، ومكث فيها حتى أسفر جداً -أي: حتى بدا الصبح- ثم توجه إلى منى في يوم النحر ورمى جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ولما أتم الرمي ذهب إلى المنحر وأتى بمائة بدنة، ونحر بيده الطاهرة ثلاثاً وستين بدنة، ثم أمر علياً أن ينحر الباقي، وفي هذا إشارة إلى أن موت النبي عليه الصلاة والسلام كان لثلاث وستين سنة، ولما أتم علي نحر المائة أخذ من هذه البدن جزءاً وصنعه وأكل منه عليه الصلاة والسلام، ثم توجه إلى البيت فطاف طواف الإفاضة ولم يسع صلى الله عليه وسلم، لأنه قد حج قارناً، ثم عاد إلى منى في أيام التشريق ليرمي الجمرات حتى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، ثم بعد أن أتم أعمال الحج عاد إلى المدينة ليواصل رحلة الجهاد في سبيل الله.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.